أطرف نهفة في تاريخ الأزمة !!
هي ليست من نوادر جحا أو من قصص ابن المقفع وإنما من واقع أناس داستهم الظروف بنعالها فبدؤوا يشعرون بالجوع لدرجة أصبحت تصرفاتهم غريبة وأقرب إلى الطرافة ..
هي حكاية سيدة قامت بإخفاء مونة المكدوس الجديدة عن عناصر فريق من منظمة الهلال الأحمر كان يجول على المنازل لدراسة احتياجات الأسر .. حكاية سيدة خافت من أن يتم ضبط قطارميز المكدوس في منزلها فيتم تصنيفها ضمن المقتدرين مالياً وبالتالي حرمان أسرتها من السلة الغذائية .. خافت من وصول هذه "الجناية" إلى الحكومة فيتم أيضاً حرمانها من "الدعم" .. حكاية سيدة في مكان مقدس بالنصوص ومكدس باللصوص بات الكثير من أبنائه يحلمون حتى بلفافة مكدوس.
وبما ان الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي لا يصدقه الناس ربما كان تصرف السيدة مبرراً في زمن لم تعد تستطيع التكهن بكيفية تفكير بعض مسؤولينا , فقد يعتبرون حيازة المكدوس مؤشراً على الرخاء والبذخ وعدم الحاجة إلى "الدعم المقدس". ومع أنني لا أحب تناول هكذا مواضيع أو الغوص بتفاصيلها في ظل وجود مشاكل وقضايا أكبر بكثير غير أن انشغال غالبية الأسر السورية هذه الأيام بفكرة مونة المكدوس وبكيفية تغطيتها مادياً تدفع للتساؤل : أليس من المعيب ونحن في بلد زراعي أن نعاني في الحصول على هكذا وجبة مع أن جميع عناصرها إنتاج محلي .. أليس من المعيب أن تكون تكلفة تأمينها لأسرة مكونة من أربعة أشخاص تتجاوز ضعف الراتب .
لأجل المكدوس قام البعض بسحب سلف مالية على راتبه والبعض الآخر استدان من أصدقائه المقتدرين وهناك من باع قطعة من أساس منزله , فيما هناك من اعتبر مجرد التفكير بهكذا مونة هو ضرب من الجنون . لعنة المكدوس دفعت البعض للتساؤول مجدداً , ماذا يعني للحكومة أن يكون متوسط الرواتب في الدول الأوربية 6142 آلاف دولار وفي الإمارات 3663 وفي لبنان الذي يعيش كل أنواع اأازمات الاقتصادية 837 دولاراً وفي مصر 219 دولاراً وفي باكستان وسيرلانكا 165 دولاراً بينما نحن في سورية نحو 30 دولاراً ..
هذه اللعنة دفعت الناس لحسد سكان تلك البلدان القادرين على تموين كميات كبيرة من المكدوس . على رائحة المكدوس يتساءل الناس هل يحتاج هكذا راتب وهكذا خدمات وهكذا معيشة هذا الكم الكبير من الوزراء والمسؤولين والمكاتب والسيارات والاجتماعات والقرارات .
والنهفة الأكبر أنه بينما معظم الأسر السورية تعلن فشلها في تأمين مادة بسيطة أضحت من عاداتها وتقاليدها , فإن وزير الباذنجان والفليفلة والزيت والجوز والفستق يصر على أنه لم يفشل في مهامه , وهنا نسأل , ما هو معيار الفشل بالنسبة له أو بالنسبة للحكومة ؟. سيدتي : لا داعي لإخفاء مكدوس أطفالك فهو ليس محشواً باليورانيوم ولا بالذهب والالماس , ليس محشواً بالكافيار واللحمة وإنما ببعض الفليفلة الجوز والثوم المتوفرة كثيراً في بلادنا .. سيدتي لا داعي لإخفاء المكدوس مثلما لا داعي للخوف من صوت رصاص الفقر , فكما أنك لن تستطيعي سماع الرصاصة التي تقتلك ,أيضا لن تستمتعي بسلة الهلال التي تصلك أو بدعم الحكومة الذي يشغلك .
سيدتي إذا مات رجل من شدة الجوع فهذا بسبب أن شخصاً آخر مات في نفس اللحظة من فرط تخمة الشبع .. سيدتي لا يعرف ثقوب الجوارب إلا الحذاء ومن لم يعان الفقر والجوع ليس له الحق في إطلاق الأحكام وثمة أشياء نقولها في قلوبنا حين تعجز ألسنتنا عن التعبير .
الساعة 25: نضال فضة