"القيروان" .. رمز الحضارة الإسلامية في تونس
الساعة 25- قصة تاريخية:
تقع القيروان في الصحراء جنوبي تونس، وتُعرَف أيضاً باسم رابعة الثّلاث بعد مكـة المكرّمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، ذلك لأنّها أقدم وأوّل مدينةٍ إسلاميةٍ في المغرب، وقد بناها القائد عقبة بن نافع لتكون قاعدةً لنشر الإسلام في المغرب العربي وإفريقيا.
وبناء القيروان في هذه المنطقة لا يعني أنّها شكّلت أوّل وجودٍ بشريٍ حضاريٍ هناك، إذ إنّ المنطقة كانت مأهولةً منذ القِدَم، حيث بَيّنت الاكتشافات الأثرية وجود أدواتٍ حجريةٍ للإنسان القديم، بعثرتها عوامل الانجراف على ضفاف وادي مرق اللّيل في منطقة العلا.
تقع القيروان في جوف الرّوابي على منتصف الطريق بين الحصون والشواطئ البيزنطية ومخابئ البربر الجبلية، فاتخذها عقبة بن نافع محطةً لاستراحة القوافل ومركزاً لانطلاق الإسلام، وأطلق عليها اسم "القيروان"، ومعناها في اللغة العربية القافلة.
لمّا كان موقع المدينة بعيداً عن العمران في وسط الصحراء، كانت آمنةً من هجوم الأعداء، لكن عزلتها هذه لم تمنعها من أن تكبر وتنمو، وكان أوّل ما شُيِّدَ فيها هو دار الإمارة والمسجد الجامع، وكان بادئ الأمر فضاء ليس فيه بناء، ويُصلّى فيه كذلك، وبعد تحديد محراب المسجد اقتدى به الناس، فصارت القيروان من أهم مُدن إفريقيا والمغرب.
تختلف القيروان عن المُدن العربية القديمة في أن كلّ قبيلةٍ نزلت بها لم تكن تختصّ بمكانٍ مُعيّنٍ من المدينة كما هو الحال في باقي المدن الإسلامية.
كان للقيروان سور له 14 باباً وكان سوقها مُتّصلاً بالمسجد من جهة القبلة وممتداً إلى باب يُعرَف باسم باب الرّبيع، وكان لهذا السوق سطح تتّصل به جميع المتاجر والصّناعات.
أقيمَت حول القيروان أسوار عالية تطوّرت على مدى التاريخ لتكوّن قلعةً حصينةً تصدّ عنها حجارتها المتراصة هجمات الغزاة، ولم ينقطع أهل القيروان عن إصلاح الأسوار مرةً بعد مرّةٍ، لأن الهجمات كانت تنكسر فوق هذه الأسوار، وإن كان يصيبها الكثير من الهدم، ومن ذلك ما حدث حين قامت المدينة ثائرةً ضد حكم الأغالبة، وما حدث أيضاً عند الغزوة الهلالية (بني هلال)، وقد صمدت القيروان في منتصف القرن الثامن عشر أكثر من خمس سنواتٍ على الحصار المفروض عليها، بل أجبرت الحاكم على دفع تعويضاتٍ لها، وأثناء الحرب العالمية الثانية، هدم الألمان قسماً من القيروان لاستعمال حجر الطّابوق لبناء مدرجٍ للطّائرات.
وممّا يمُيّز القيروان أنّها لم تفارق أسس تنظيمها إلى اليوم، فحافظت على نسقها المعماري الأصيل، وما يزال جامع القيروان من أشهرمساجد إفريقيا والمغرب العربي، وشاهداً على أصالة المنطقة، فقد وضع أساسه وتصميمه عقبة بن نافع وجرى تطويره على تتابع القرون والأزمنة، وله أعمدة عديدة ومتنوّعة تعود لمعابد رومانية وكنائس بيزنطية، ويُعتبر من أزخر التّراث الإسلامي في تونس ويؤمّه الكثير من السيّاح سنوياً، وقد صنفتها منظمة اليونيسكو مدينة تراثية عالمية عام 1988.