ثقافة الرشوة تحت غطاء الهدية أو الاكرامية تنهك الناس وتهدد المؤسسات ! !
الساعة 25:نضال فضة
"هل هناك طبيب أنفٍ أو عيون أو حنجرة يُفسّر لنا سرّ بعض المآقي التي تظلُّ مغمضةً أياماً وليالي عن الرشوة والفساد والجشع في هذه الدائرة أو تلك , وما أن تشُمّ أو ترى كلمة نقدٍ منطقية حتى تفتّح فجأة وتصير باستدارة زر المعطف دهشةً واستنكاراً !! " .. كلمات محمد الماغوط هذه تداعت إلى ذاكرتي حين سمعت شخصاً يتحدث على الجوال بصوتٍ عال في الشارع وعلى مسمع من الناس ويقول "طلب مدير مكتبو ثلاث ليرات ذهبية ورح يطالعوه متل الشعرة من العجين " ..
بغض النظر عن تفاصيل ما يعنيه , غير أن مجرد المُجاهرة بهكذا كلام في مكان عام يًعتبر مؤشراً خطيراً على ما وصلنا إليه .. مؤشرٌ يدفعنا للسؤال, هل الهدف الذي يحتاج إلى وسائل غير صحيحة ليس بالهدف الصحيح ؟, أم أن الظروف تدفعنا أحيانا للجوء إلى طرقٍ وسخة للوصول إلى هدفٍ نظيف .
مظاهر الرشوة التي كانت منتشرة قبل الازمة تحت الطاولة وخلف الكواليس وعبر الالغاز باتت اليوم وللأسف علنيةً وبعباراتٍ واضحة وصريحة .. مظاهر وممارسات نشاهدها يومياً في الشارع وضمن المؤسسات وأحيانا نضطر للمشاركة بها نتيجة استنفاذ الخيارات .. ممارساتٌ تؤكد أن ما يحدث الآن هو ثمرة خللٍ كبيرٍ موجود في الأسرة وفي المؤسسات وخاصةً التعليمية والتربوية والقانونية والإعلامية والدينية .. تؤكد أن أكبر عملية خداع قام بها الشيطان هو إقناعه للكثيرين أنه غير موجود..
البعض يحاول تمرير الرشوة من تحت عباءة الهدية أو الإكرامية .. وبالرغم من تشابههما في الصورة لكنهما يختلفان من حيث النية والهدف .. فبينما تعتبر الهدية أسلوب حضاري راقٍ قصده المودة والمعرفة والإحسان وتعطى عن طيب خاطر .. فإن الرشوة تُعطى لقضاء حاجة أو مصلحة أو من أجل إحقاق باطل أو إبطال حقٍ ما .. الفرق بينهما يشبه قيام الراعي بتخليص خروفٍ من براثن الذئب حيث تعتبره الخراف بطلاً بينما تعتبره الذئاب مجرماً .. هي حالة تثبت فعلاً أن المرتشي شخص يتمتع بكل حقوق الشخص المرتشي وفي مقدمتها حقه في تقاضي الرشوة ...
هذه الجريمة الثنائية التي يشترك فيها الراشي والمرتشي قد تكون أيضاً جريمة ثلاثية، حينما تغض الجهات الرقابية أو الإدارية الطرف عن العاطي والآخذ.. و كونها ضمن أكبر مظاهر الفساد المالي والاجتماعي فإن المخاوف من تحول الرشوة التي باتت عرفاً وتقليداً إلى مجرد وجهة نظر بدأت تتسع وسط تأكيدات بضرورة المحاسبة والعقاب الذي حدده القانون السوري بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به إذا تم اعتبار الرشوة جنحة قام بها الموظف أو من بحكمه , أو الأشغال الشاقة الموقتة وغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به إذا تم توصيف الحالة جنائية .
بالمحصلة وفي الوقت الذي تُشكّل الرشوة مصدر دخلٍ هام للكثير من الموظفين هناك من يحذر من خطورة ذلك على البنية المؤسساتية ويشدّد على أهمية الإسراع بتدارك الكارثة من خلال إيقاظ الضمائر وإحياء القانون .. وهناك من يدعو إلى حملات توعوية واسعة وشاملة على مستوى الوزارات والمؤسسات العامة ودوائر الدولة المستقلة .. كما هناك من يؤكد أن الكاميرات لم ولن تكن يوماً رادعاً للرشوة وللفساد وخاصة إذا كانت الكهرباء والضمائر في إجازة من دون تأريخ .