ما أحوج البلد اليوم إلى نُخبٍ ضد الكسر ومثقفين غير قابلين للبيع ..
وسط أزمتنا التي لا يعلم إلا الله متى ستنتهي والتي تتجدد هنا وهناك بصور مختلفة يتساءل البعض أين النُخب , أين المثقفين , لماذا تركوا الساحة لبعض الانتهازيين المخادعين الجهلاء؟ ..لماذا لجأ الكثير منهم إلى حججٍ وتبريرات لا يؤمنون بها ؟ .. لماذا قرروا التزام الصمت حتى نهاية الخريف ؟..
في بداية الأزمة كان المشهد واضحاً .. بعض "المثقفين" انضموا إلى زمرة الذين "يدقون على الطناجر" خلف أبي جهل وأتباعه , فيما وجد بعض "المثقفين" في وسائل الإعلام فرصة لنيل درجة الدكتوراه بالتنظير الأعمى أملاً بالفوز بمكانة أو منصب ما , أما البعض الأخير فهم من المثقفين الحقيقيين الذين فهموا عمق المشهد فتحركوا مجتمعياً وعلى أرض الواقع بحب ووعي وضمير ومسؤولية على أمل فعل شيء يمنع وقوع الكارثة , غير أنه وللأسف لم يستطيعوا المتابعة لأسباب لا تخفى عن عاقل.
على كل وفي الوقت الذي تأكد استحالة وجود مجتمع لا يشهد "خلافاً" بين السُّلطة و المثقفّين والعامّة أعتقد أننا بحاجة ماسة اليوم لتواجد أكبر لذلك النوع الأخير من المثقفين .. وأعتقد أنه بات من الضروري إدراك حقيقة الفرق بين المثقف الحقيقي و"المثقف المخادع" و"المثقف الطبل" .. إدراك أن المثقف الحقيقي هو من يعمل بمقياس الوطن لا بمقياس الطوائف والمصالح الخاصة .. هو قد يختلف بالفكر والسلوك مع حكومته , لكن يستحيل أن يكون أداة بيد أعداء بلده ..
هو موقف وطني وإنساني وأخلاقي وليس منصباً أو صفة بقرار رسمي أو مهنة مدونة على بطاقة شخصية .. هو يؤمن بدور تنويري إصلاحي في المجتمع وبضرورة تطوير الثقافة الشعبية من ثقافة الخوف من "حراس القانون" إلى ثقافة
احترام القانون والالتزام به.
كما بات لزاماً علينا إدراك أن المثقف الحقيقي ليس شهادات علمية أو عدد الكتب التي قرأها , بل القدرة على إدراك حقيقة المخاطر التي تحدق بالبلد والتدخل الإيجابي وبشكل حضاري في الوقت المناسب ..أن المثقف الحقيقي يجد نفسه بين الناس، وليس في أحضان المناصب والمال، دون إغفال إمكانية أن يكون في الوقت نفسه عونا للحكومات التي تريد فعلاً البناء والتنمية.
بالطبع حتى نفهم دور المثقفين يجب فهم ما يفعلونه، وليس ما يزعمون أنهم يفعلونه، أو حتى ما قد يعتقدون أنهم يفعلونه .. لذلك لا نريد تلك النوعية التي تستخدم كلمات أكثر من اللازم لقول أكثر مما يعرفون .. لا نريد أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أناس غير عاديين ولا يشبهون عامة الناس .. نريد أولئك الغير قابلين للبيع , أولئك القادرون على إنتاج الأفكار الجديدة البناءة وتقديم الحلول المنطقية .. أولئك الذين يزجون بكل رصيدهم المعرفي والأخلاقي للدفاع عن المال العام والوقوف بوجه الجهلاء والزعران وتجار الأزمة في مختلف المجالات .. أولئك القادرون على تعبئة المجتمع لصد أي هجوم معادي أدواته الخيانة الوطنية والمناطقية والطائفية .. أولئك القادرون على المساعدة في إيجاد الحلول وليس أولئك الذين أصبحوا مشكلة بحاجة إلى حل.
أخيراً هناك من يسأل لماذا عندما يخطئ لاعب كرة القدم يُعطى بطاقة صفراء أو حمراء ويمنع من اللعب مباراة واحدة أو اثنتين, أما عندما يُصيب المثقف يُمنع من اللعب طيلة حياته.
الساعة 25: نضال فضة