من المعيب أن نعطش وآبارنا عامرة بالماء وينابيعنا تصبّ في البحار !!
" الويسكي للشرب والماء للقتال " عبارة أطلقها مارك توين وغادر , وكأنه يريد التأكيد أن الله هو من خلق الماء لكن الإنسان هو من صنع الخمر .. التأكيد أنه حين يكون الماء أهون موجود وأعز مفقود وأهم حقوق البشر فمن المعيب أن يعطش الناس ومياهم العذبة الباردة تصب أمامهم في البحر أو النهر .
ولأن الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي لا يصدقه الناس فمن من المعيب أن يعطش سكان منطقة تعوم على مخزونات كبيرة من المياه الجوفية .. من المعيب وجود تجمعات سكانية كبيرة في القرن 21 بلا شبكات مياه للشرب .. من المعيب أن تكون عبوة المياه المعدنية في بعض الأماكن أغلى من عبوة العصير أو الحليب من نفس الحجم .. من العار ترك الناس عرضة لابتزاز تجار المياه والتظاهر بعدم معرفة أسباب العطش العام .. من العار تأجيل الحلول التي تحتاج الملايين حتى تحتاج المليارات .
الجهات المعنية التي عودتنا أن تكتب وعودها على صفحات الماء مستمرة منذ ألف عام باتهام الكهرباء والمازوت بكل ما يجري .. هذه الجهات أصبحت مثار سخرية لدى الشارع بعدما حصرت الحلول بتقليص فترات ضخ المياه وتعطيش العباد .. هذه الجهات التي لم تعد تمتلك سوى جواباً وحيداً على الشكاوي " أعطونا كهرباء ومازوت و خذوا ماء " وكأن تأمين هاتين المادتين من مهمة المواطن .. وكأنها لا تريد إدراك حقيقة أن كل ماء عكر سيترسب ما يعلق فيه يوماً ثم يصفو.. وكأنها لا تريد أن تعلم أن أشقى المخلوقات إنسان بذاكرة قوية .
هذه الجهات التي صرعتنا بالطاقة البديلة وخاصة منظومة الألواح الشمسية وتقوم بتقديم قروض ميسرة لشرائها .. هذه الجهات التي تحث الفعاليات التجارية والفلاحين وباقي المواطنين على تركيبها , لماذا لا تحث نفسها لاستخدام هذا النوع من الطاقة بما يضمن ضخ مياه الشرب إلى المناطق العطشى .
لماذا المؤسسة الرسمية تصر على إبقاء الناس رهينة ابتزاز تجار المياه .. هل تعلم تلك المؤسسة أن الكثير من الناس مجبرون على شراء عشرة براميل ماء أسبوعياً بمبلغ يتجاوز أحياناً كثيرة الـ 20 ألف ليرة , أي الكثير من الأسر مجبرة على دفع مبلغ 80 ألف ليرة شهرياً ثمن مياه بينما راتبها بحدود 125 ألف ليرة .. هذا بالطبع دون الأخذ بعين الاعتبار مصادر هذه المياه ومدى صلاحيتها للاستهلاك البشري .
وبعدما أصبح التطنيش الرسمي وتجارة الماء عبر الصهاريج أمراً واقعا هناك من يسأل : أليس من الواجب أن تكون هذه التجارة خاضعة للرقابة السعرية والصحية أم أن ذلك غير ضروري باعتبارها تفتح باباً جديداً للرشاوي التي ربما هي موجودة في هذا المضمار ولا يعرفها إلا الراسخون في الفساد. قال عنترة : لا تستقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل .
الساعة 25: نضال فضة