الساعة 25:يارا إياد عامر

على الرغم من التطوُّر التكنولوجي المُذهل الذي يشهده العالَم في كل لحظة تَمُرّ، وذلك بفضل براعة العقل البشريّ، إلا أنَّ هناك ثغرةً مازال العقل البشري غير قادر على ردمها أو التعامل معها بالشكل الصحيح، تفصل عقل الإنسان العصريّ عن "روحه" الوجدانيَّة!

تحدَّث الكاتب والباحث السوري/ هايل شرف الدين/ في كتابه الصادر مؤخَّراً " سراديب العالَم السفليّ"، بمعنى دروب العالَم اللاشعوريّ، عن الاغتراب الذي يعانيه الإنسان الحديث، والحاصل ما بين عقله وبين ذاته الوجدانية.

يتمثّل هذا الاغتراب في محاولته اليائسة بالجمع ما بين أحدث اختراعات التطور التكنولوجي وبين معتقداتٍ بائدة !!

كما ويوضِّح الأسباب التي عمَّقت هذا من التفارق والمُتمثلة بتقصير العِلم أو لنقُل استهدافه لنمط معيّن من التطور على حساب تهميش جزء أساسي من حياة البشر، والمتمثِّل بالحالة الوجدانية والانفعالية للإنسان.

ويؤكِّد على ضرورة التعامل مع المعتقدات الزائفة (على غِرار قراءة الكف والفنجان والإيمان بقوة جذب الرقم وسِحر الأسماء..) كأمراضٍ اجتماعية بحاجةٍ للعلاج والاستئصال شأنها في ذلك شأن الأمراض النفسية, والتي تلعب اليوم دور الأمين الأسوأ لرواسب الموروث الخُرافيّ القديم.

يتناول الكتاب الكثير من الأفكار اللاعلميَّة محاولاً تعريتها وتقديم البعد العلميّ لكلِ حالةٍ يذكرها, ومثال ذلك تناوله لخرافة الجان وكيف أنها هلوسة بصرية ليس إلا, وأيضاً كيف تسيطر إحدى الهويات المقموعة على الشخص مُحدثةً سلوكاً غريباً يظنُّ البعض بأنه مَسٌّ "شيطاني !!.

يمثِّل الكتاب ( الصادر عن دار ظمأ) بحثاً جريئاً في سيكولوجيا المعتقدات والجذور النفسية للكثير من الأفكار الاعتباطية التي مازالت منتشرةً إلى يومنا هذا، والتي لم تحضَ بعد بعمليات الغربلة والفرز والتقييم! وذلك بإسلوبٍ شيّق وسلس ومباشر ودون إطالة.

كما ويظهر في الكتاب تقسيم للذهن البشري بعيد نسبياً عن التقسيمات السيكولوجية القديمة على غرار شعوري ولاشعوريّ، واستبدالها بمصطلحات عقلانيّ ووجدانيّ..

هذا الكتاب هو الأول بعد سلسلة من المقالات والأبحاث للكاتب في مجال علم النفس التحليليّ.