2022 May 28

السادة المؤتمنون على مؤسساتنا ولقمة عيشنا .. سيتوقف التاريخ طويلاً عند مشهد "التطوير نحو الأسوأ " ؟!.

الساعة 25:نضال فضة

بعدما أثبت الواقع أن المنصب لا يغير الأشخاص وإنما يكشفهم على حقيقتهم .. بعدما اتضح أن ظروف البلد لم تعد تتحمل المزيد من الاستهتار لجهة اختيار مواقع المسؤولية .. .. بعدما تبين أن أكثر شيء قابل للتغيير نحو الأجمل في مؤسساتنا الرسمية هو سكرتيرة وديكور مكتب " رأس" المؤسسة .. بعدما أظهرت الأزمة أن الغباء يكمن في الخوفِ من التغيير الحقيقي.. بعدما تأكد أن المؤسسة البشرية الوحيدة التي ترفض التطور هي المقابر.

بعدما وبعدما وبالرغم من أن مسألة التطوير تتصدر البيانات والخطط والخطابات الحكومية إلا أن هناك من يؤكد أن التغيرات التي طالت الكثير من هذه المؤسسات في الآونة الاخيرة تحت بند التطوير كانت غير موفقة , بل رديئة بشكل فاضح وتنذر بخطر يهدد وجودها ودورها .. ما مدى صحة ذلك ؟ .. وهل في قاموس علم الإدارة مفهوم اسمه التطوير نحو الأسوأ؟.. وهل هناك إدراك لحقيقة أن تدهور المؤسسة العامة في بلد كبلدنا يعني تدهور المؤسسة المشتركة والخاصة .. تدهور أوضاع الفلاح والصناعي والعامل أينما كانوا .. تدهور الإنتاج ولقمة المعيشة ..

بعيداً عن الجدال البيزنطي ومراوغات التخوين والمساس بالهيبة .. وبالرغم من التسليم أنه لا يمكن الحديث عن جمال الفراشة دون العودة إلى التغيرات التي مرت بها ,إلا أن استبيان بسيط لآراء أبناء هذه المؤسسات سيؤكد وللأسف أن التغيير في الكثير منها بات فوضوياً بالمطلق , وأنه لا يمكن التعافي في نفس البيئة التي مرضت فيها .

عندما تكون مؤسساتنا أمام خيارين فقط , إما إنجاز تغيير إيجابي طفيف أو اختلاق الأعذار كمقدمة للفشل , عندها ندرك لماذا حين تهب رياح التغيير يقوم البعض ببناء السواتر والجدران والبعض الآخر طواحين الهواء .. ندرك وجود حقيقة واحدة هي أساس المشكلة , حقيقة أنه لا يمكن للعقليات التي تسببت بتدهور هذه المؤسسات أن تكون سبب تعافيها وتطورها .. ندرك أن التقدم مستحيل بدون تغيير العقلية التقليدية السلبية ومعالجة الفكر المتحجر المريض بالمناطقية والولاءات والنفوذ الأعمى .. حقيقة أن الشخص الذكي هو القادر على ابتكار التغيير الإيجابي والتكيف مع الظروف .. إدراك أن تغيير إيجابي واحد يقود دائماً إلى تغيرات إيجابية أخرى .. إدارك أنه لا يمكن إيقاف الأمواج لكن يمكن ركوبها .

سيادة المسؤولين والخبراء والمستشارين الموكلة إليهم مهام ملفات التطوير , الإدارة تشبه الموسيقى حيث يمكن لأي شخص تعطيه آلة العود أن يدندن ويسمعك أصواتاً لكن لن تسمع لحنا جميلاً إلا من عازف متخصص متمرس موهوب ومبدع .. بمعنى ليس بالضرورة أن يكون الفشل دائماً بسبب إدارات سيئة فكرياً أو سلوكياً , وإنما يمكن أن يكون بسبب عدم الكفاءة والأهلية .

وبناء على ذلك أعتقد أن المحاسبة والتغيير يجب أن تطال أولاً تلك الجهات التي أتت بهذه النوعية من الإدارات , فالمشكلة تبدأ من هناك.. المشكلة في عدم إدارك أن ترشيح شخص ما لمنصب رسمي ما ليس لعبة أو مزحة يمكن تلافي تداعياتها السلبية باعتذار أو ابتسامة أو بوسة شوارب ..

إدراك أن فساد المؤسسات يكون حتمياً حين لا تكون قاعدتها الأخلاق والإحساس بالمسؤولية.. إدراك أن ركوب السيارة الحديثة المستوردة ليس تطوراً وإنما التطور هو صنع دراجة.. إدراك أنه علينا أن نصلي لتحقيق المعجزات لكن علينا أن نعمل بمنطق وضمير وحس وطني حقيقي من جل تغيير يلبي تطلعات المرحلة والشارع .