مدارس حكومية في قبضة حيتان المال!!
إذا استبعدنا نفوذهم وتغلغلهم في المفاصل الحساسة وصانعة القرارات في المؤسسات الحكومية، فإننا لانجد أيّ إمكانيات فذة لرجال الأعمال وحيتان المال، ويجب أن لاننسى أبدا ماكشفه رئيس حكومة سابقة في أجتماع بوزارة المالية، فقد قالها بجرأة نادرا ماتصدر عن مسؤول كبير: كبار رجال الأعمال محميّين!!
وكنا نأمل أن يُكمل الرجل جرأته فيكشف عن الجهات والمتنفذين الذين يحمون حيتان المال، لكنه لم يفعلها!
وبما أن هؤلاء الحيتان اخترقوا كل المنافذ التي تدرّ المليارات واحتكروها لحسابهم بمسميات مختلفة، فقد فاجأونا مؤخرا بضم قطاع التعليم لنشاطاتهم أي احتكاراتهم، فتمكنوا من “إقناع” وزارة التربية بتأجير أكثر من 20 مدرسة حكومية لهم لقاء حفنة من المال!
السؤال: مامصلحة الحكومة بوضع عدد من المدارس الحكومية في قبضة حيتان المال؟
المسألة لن تقتصر على 20 مدرسة في العام الدراسي القادم 2023 ـ 2024، فقد بشّرتنا وزارة التربية انها ستتوسع بمشروع تأجير مدارسها لحيتان المال في الأعوام القادمة، وما بدأ في دمشق كتجربة، سيعمم على محافظة ريف دمشق في عام 2025، ثم إلى محافطات أخرى!
السؤال: ماالمستند الدستوري والقانوني الذي يتيح لوزارة التربية تأجير مدارس حكومية لحيتان المال؟
لو كان هناك مثل هذا المستند أو المرجع القانوني الذي يجيز تأجير المدارس الحكومية، وهو فعل غير مسبوق أساسا، فلماذا لم تعلن الوزارة عن فعلتها بإعلان عام عبر وسائل الإعلام، وخاصة المرئي، أي عبر الفضائيات السورية، إلا إذا قامت بعمليات تأجير أكثر من 20 مدرسة بعقود مباشرة مع حيتان المال النافذين والمتنفذين!
لقد اجتهد مدير الشؤون القانونية في الهيئة العامة لأبنية التعليم لتبرير تأجير المدارس الحكومية بالقول: (أن قانون العقود رقم 51 لعام 2004 أتاح للجهات العامة البيع أو التأجير أو الاستثمار بالتراضي أو بالطرق المباشرة، من أجل الحصول على عائدات للجهات العامة، وتنظيم هذه العملية، وكذلك بيع عقارات الجهات العامة أو إيجارها أو استثمارها وفق إطار معين).
وهذا صحيح، لكنه لاينطبق على وزارة خدمية 100 % كوزارة التربية مهمتها الأساسية تأمين التعليم الإلزامي والمجاني لكل السوريين، وإذا احتاجت إلى المزيد من الإعتمادات فعليها أن تطلبها من الحكومة، وليس بتأجير مدارسها، حتى رئيس الحكومة لايملك صلاحيات السماح لوزارة التربية بتنفيذ قانون العقود خلافا للدستور وللقوانين النافذة التي تحكم عمل وزارة التربية!
ولن نستغرب أن تبرّر وزارة التربية فعلتها بما تعانيه من شح في الموارد المالية اللازمة لتأمين مستلزمات مدارسها المجانية، كالكتب والقرطاسية والمحروقات، واضطرار إدارات بعض المدارس إلى جمع مبالغ من أهالي الطلاب لتأمينها، لكن هذه المشكلات ليست طارئة، فقد كانت قائمة حتى ماقبل عام 2010، وبالتالي فإن المبررات غير مقنعة، وقد يكون السبب الفعلي هو رغبة بعض المتنفذين من حيتان المال باستثمار مدارس حكومية جاهزة لشفط المليارات من المقتدرين ماليا على حساب ملايين الطلبة التي يجب أن تقوم المدارس الجديدة بتخفيض عدد الطلاب في الصف الواحد، لابزيادتهم بعد التوسع بتأجير المدارس!
وعندما تصل مدة عقد استثمار المدرسة الحكومية بين 5 و10 و15 عاماً قابلة للتمديد بتراضي الطرفين (وزارة التربية وحيتان المال) فهذا يعني أننا أمام نوع من الخصخصة المقنّعة، فأي حوت مال لن يتخلى عن المليارات التي سيشفطها، وسيطلب، أو يأمر، لافرق بتمديد العقد إلى آجال مديدة، بل لانعرف إلى أي مدى ستذهب وزارة التربية في القادم من السنوات بخططها اللاقانونية واللادستورية والتي نتيجتها الحتمية والوحيدة: وضع المدارس الحكومية في قبضة حيتان المال!
الملفت أن وزارة التربية قدّمت تسهيلات لحيتان المال لاتُقارن بتسهيلات القروض المصرفية لهذه الحيتان، فلم تطلب بدل تأجيرهم للمدارس الحكومية دفعة واحدة، أو على دفعات خلال عام، بل قبلت أو رضخت لافرق أن يسدد حيتان المال المبالغ المقدرة بمئات الملايين لكل مدرسة على فترات زمنية متفاوتة بحسب مدة العقد، والسؤال: ماترجمة هذه التسهيلات غير المبررة؟
تعني أن حيتان المال لن يسددوا أي مبلغ كبير من رأسمالهم، وإنما من مردود أقساط الطلاب، وقد يتأخرون عن الدفع، بل إن القيمة الفعلية للمبالغ المنصوص عنها في العقود اللادستورية واللاقانونية ستتآكل مع كل تعديل لسعر الصرف، وسيصبح بدل استثمار المدارس هزيلا جدا خلال أعوام قصيرة، تماما مثل القروض التي يسددها الحيتان للمصارف بعد الإنخفاض المرعب في قيمتها الشرائية!
الخلاصة: لاندري خلفيات وضع مدارس حكومية في قبضة حيتان المال، وسواء كان هذا الفعل باجتهاد من وزارة التربية أم تنفيذا لأمر من رئاسة الحكومة فهو مخالف للدستور ولقانون العقود رقم /51/ لعام 2004 وللمرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2004، الذي ينظم التعليم الخاص، ولايوجد من يوقف خصخصة التعليم الحكومي سوى مجلس الشعب، فهل سيفعلها قبل تنفيذ العقود مع حيتان المال، أم يتجاهل ماهو قادم ويكتفي بمناقشة الخطة السنوية لوزارة التربية التي تغفل ماتخططه للمدارس الحكومية؟
علي عبود / غلوبال