أقساط المدارس الخاصة في سورية أغلى من الجامعات.. وقرارات وبلاغات التربية على الرف
لم يعد واقع المراكز والمدارس التعليمة الخاصة مقبولاً لجهة رفع الأقساط بشكل جنوني وفوضوي ومزاجي، وسط تجاهل متعمد لكل التعليمات والتحذيرات الصادرة عن وزارة التربية، وهنا يستغرب الأهالي عدم قدرة الوزارة على ضبط التجاوزات، متسائلين عن سر غياب دوائر التعليم الخاص في مديريات التربية والمديرية الخاصة في الوزارة عن متابعة واقع هذه المدارس، لجهة الِأقساط التي وصلت إلى حدود الـ 5 مليون، وأكثر، سنوياً لبعض المدارس، إضافة إلى تحكم بعض إدارات تلك المدارس بالأهالي بعد التسجيل، وذلك من خلال زيادة الأقساط دون أي مبرر، أو مستند، بحجة تقديم خدمات كبيرة وذات جودة عالية!.
خبراء تربويون اعتبروا أن خرق القرارات الصادرة عن وزارة التربية لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة تراخٍ وتقصير من المعنيين في الوزارة، ملمحين لوجود مصالح ومنافع شخصية، ما أدى إلى هذا “التطنيش”، مشيرين بذات الوقت إلى وجود عدم متابعة واضحة في تطبيق القرارات الصادرة تجاه ضبط التعليم الخاص، وترك الباب مفتوحاً لأصحاب المدارس للتفسير واستغلال الثغرات لزيادة الأقساط بشكل كيفي ومزاجي، متسترين بقوانين حددت الرسوم، لكنها فتحت الباب لبند الخدمات. ولم تقف تلك المدارس عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى حد ممارسة المزاجية في عملية قبول تسجيل الطالب والانتقاء وفق درجات عالية في مخالفة صريحة للتعليمات الوزارية التي لا يوجد فيها بند يجيز للمدارس الخاصة تسجيل الطلاب وفق درجات محددة تضعها إداراتها.
وفي محاولة لمعرفة رأي وزارة التربية، اكتفت رئيس دائرة التعليم الخاص بالوزارة، ثنية نويصر، بذكر أرقام وتاريخ المراسيم والبلاغات الوزارية المتعلقة بهذا الشأن لاسيما ما يتعلق بضرورة التقيد بأحكام المرسوم التشريعي رقم ٥٥ لعام ٢٠٠٤ وتعليماته التنفيذية التي حددت الأقساط التي يحق لمؤسسات التعليم الخاصة أن تتقاضاها من الطلبة المسجلين فيها بحسب التنصيف المحدد لهذه المؤسسات ومستويات مخرجاتها التعليمية وفق التعليمات التنفيذية، مشيرة إلى البلاغ الوزاري رقم 1178/543(4/8) تاريخ 10/ 6/ 2021 المتضمن جداول التصنيف المعتمدة للمؤسسات الخاصة كل مرحلة على حدة، ضمن أربع فئات والطلب من أصحاب تلك المؤسسات ملء جداول التصنيف وإعادتها إلى دائرة التعليم الخاص للتدقيق ومطابقتها مع الواقع وإصدار التنصيف على مسؤوليتهم.
كما لفتت نويصر إلى البلاغ رقم 1757 تاريخ 16/ 6/ 2022 بتحديد الأقساط المدرسية وأجور الخدمات والميزات الإضافية السنوية للعام 2022- 2023 ما عدا أجور النقل يحدد من قبل المدرسة .
مع هذا السرد للبلاغات والقرارات من دون أي تفصيل يؤكد الأهالي أن المدارس الخاصة لم تلتزم بأي قرار يخص الأقساط بل زادتها رغم غياب الخدمات والصيانة لتشكل قضية ارتفاع الأقساط مشكلة حقیقیة بحاجة إلى حلول جذرية وقوانين تحد من جشع هؤلاء، لافتين إلى عدم تقيد بأوقات الدروس وفق الخطة الدرسية المخصصة من وزارة التربية، كما طالبوا بضرورة تطبيق القوانين والبلاغات الوزارية في معالجة الخلل والتركيز على نوعية المندوبين والمشرفين، مشيرين إلى أن بعضهم يرتمون في أحضان هذه المؤسسات وفق مصالح مشتركة.
في حين تبرر بعض إدارات المدارس الخاصة زيادة الأقساط إلى ارتفاع وتضاعف رواتب المدرسين والتكاليف والنفقات والخدمات المقدمة للطلاب من تجهيزات وأنشطة لا صفية وملاعب رياضية، ويزعم مديرون آخرون أنهم ملتزمون بقرارات وبلاغات التربية وفق التصنيفات المحددة ضمن القوانين والأنظمة، وفي الوقت الذي لم يرغب إداريون في مدارس أخرى التحدث في هذا الموضوع كونهم غير مخولين بالتصريح، فقد أكدوا التزامهم بالقوانين.
وإذا كانت وزارة التربية تؤكد على أنها تشدد في قراراتها المتعلقة بالتعليم الخاص على ضرورة الإعلان عن الأجور والخدمات وتوضيحها للأهالي بشكل بارز في لوحة إعلانات بالمدرسة، لكن أثناء جولة على عدة مدارس خاصة من أجل “التنور” عن الأسعار، لم نجد ما شددت عليه التربية على الأقل المدارس التي قمنا بزيارتها..!.
وما يؤكد كلامنا أن بعض المدارس الخاصة تقوم بالتكتم عن الأقساط من خلال برنامج الكتروني لا يمكن الدخول عليه، إلا من قبل أهالي الطلبة، حيث يتطلب وضع كود خاص وكلمة سر للدخول ومعرفة الأقساط، علماً أن الأقساط بملايين الليرات وللصفوف الأولى وفق تأكيدات الأهالي.
من خلال الاطلاع على أقساط المدارس الخاصة ومقارنتها بأقساط الجامعات الخاصة كانت المفارقة أن قسط مدرسة خاصة في الريف وليس المدينة أعلى من قسط جامعة خاصة معروفة، الأمر الذي أثار استغراب العديد من خبراء التربية، وسط حالة من الاستغراب أمام استمرار هذه الفوضى العارمة والتجاوزات الواضحة للعيان!
واعتبر الكثير من الأهالي أن حال المدارس الخاصة ليس جيداً، ولطالما يدعي أصحاب المدارس بالتجديد، إلا أن الوضع على حاله، إذ لا خدمات ولا صيانة جديدة، بل على العكس الأمور في تراجع عند بعض المدارس وخاصة رياض الأطفال، كما أجمع الأهالي على تراجع ملحوظ في مستوى التدريس والاعتماد على الأنشطة الترفيهية والنشاطات الرياضية والتباهي بالقشور والمظاهر على حساب المضمون، وبحسب رأي أستاذ في كلية التربية فضل عدم ذكر اسمه أن المدارس الخاصة تهتم بالقشور والمسابح والملاعب والمسرح والفرق الفنية الترفيه والرحلات، ولا تبحث عن كيفية تطوير التعليم، فالطالب في المدارس الخاصة يتحدث عن الأنشطة اللاصفية بعيداً عن جوهر التعليم وربطه بسوق العمل والتخصصات التي يحتاجها المجتمع، موضحاً أن ظاهرة التعليم الخاص من دون ضوابط هي إشكالية في النظام التعليمي، حيث باتت كنوع من الموضة المجتمعية، والتي تتنافس فيها العائلات الثرية لإثبات الوجود من باب ما يسمى بالعامية “البروظة”، والتغني بأسماء مدارس خاصة لديها قوة بالإعلان والتسويق مما سبب خللاً اجتماعياً تربوياً.
والمستهجن أكثر أن تفوق المدارس الحكومية في نتائج الشهادتين لم يشفع لها عند عدد كبير من الأهالي، وذلك يظهر بإصرارهم على تسجيل أبنائهم في المدارس والمعاهد الخاصة رغم الاستغلال الذي يتعرضون له لجهة الأقساط ورسوم الخدمات، عدا عن المزاجية في شروط القبول، هنا يوضح خبراء تربويون أن هدف المدارس الخاصة من فرض هذه الشروط ما هو إلا نوع من التباهي بالطلاب المتفوقين في نهاية العام، متجاهلة أن الطلاب المسجلين هم من المتفوقين أساساً قبل التسجيل لديهم، معتبرين ذلك طريقة احتيال على الأهالي والطلاب من أجل عملية تسويق لمدارسهم ومعاهدهم، وتحقيق اسم على حساب جهد الطلبة.
بقي أن نشير إلى أن وزارة التربية في وقت سابق قد عممت على مديرياتها عدم زيادة الأقساط للمؤسسات التعليمية الخاصة التي لم تزد أقساطها للعام الدراسي ٢٠٢١/٢٠٢٠م، ولا يزال قسطها دون خمسمائة ألف ليرة سورية إلا وفق الحد الأعلى المرفق، وإعلام وزارة التربية بالقسط المقترح قبل إعلانه لأولياء الأمور لأخذ الموافقة عليه وهو وفق الآتي :
الشريحة الأولى/ القسط ٥٠ ألف ليرة سورية وحتى ١٥٠ ألف ليرة سورية/ نسبة الزيادة ٥٠%.، الشريحة الثانية/ القسط ١٥١ ألف ليرة سورية وحتى قسط ٢٥٠ ألف ليرة سورية/نسبة الزيادة ٣٥%.، الشريحة الثالثة/القسط ٢٥١ ألف ليرة سورية وحتى قسط ٥٠٠ ألف ليرة سورية/ نسبة الزيادة ٢٥%.، عدم السماح بزيادة الأقساط إطلاقاً لباقي المؤسسات التعليمية التي أقساطها فوق خمسمائة ألف ليرة سورية، على أن تبقى تقديرات الخدمات والميزات الأخرى وأجور النقل وفق أحكام المادة ٣٧ من التعليمات التنفيذية من المرسوم التشريعي رقم ٥٥ لعام ٢٠٠٤م بإعلام المديرية المختصة، وإعلام أولياء الأمور بها قبل التسجيل، وان تكون إلزامية فيما يتعلق بالعملية التعليمية والتربوية.
صحيفة البعث