إنفاق السوريين على التجميل يقدر بالمليارات.. منع استيراد المواد يفتح باب التهريب
قد لا يخطر بالبال أن منع استيراد مواد التجميل يتسبب بضرر للاقتصاد، لكن هذه حقيقة قياساً بحجم الإنفاق الشهري والسنوي الذي لا يمكن حسابه ولو بشكل تقريبي لشدة الإقبال وكثرة العيادات والمراكز والجهات التي تقوم بعمليات وإجراءات التجميل.
وتنقسم الخدمات الطبية التجميلية إلى ثلاثة أقسام، الجراحات الترميمية «تجميل أنف، تكبير صدر عن طريق زرع حشوات»..إلخ، المعالجات عن طريق الحقن «حقن البوتوكس المزيلة للتجاعيد»، «حقن المواد المالئة»، والعلاج بالأجهزة «الليزر»، «أجهزة تكسير الشحوم».. وغيرها.
قمنا بجولة على بعض مراكز التجميل وأطباء الجراحة التجميلية في دمشق، وبحسبة بسيطة اتضح أن حجم الإنفاق الشهري للسوريين على التجميل يقدر بمليارات الليرات، مع العلم أن معظم هذا الإنفاق يصرف على الإجراءات التي تعتمد على الحقن والحشوات، وكلاها لا تشملهما قائمة المواد المسموح باستيرادها، فأصبحت تُعامل معاملة الممنوعات مع العلم أنها لا تُنتج محلياً وليس لها بديل.
طبيب التجميل الجراح طلال يازجي قال: إن الحقن التجميلية تراوح أسعارها بين 300 و400 ألف ليرة بالنسبة للبوتوكس التي يعاد حقنها للزبون (نساء ورجالاً) كل ستة أشهر، ويقوم بها الطبيب في العيادة، على حين عمليات التجميل الترميمية؛ (تكبير وشد الثدي أو الأرداف) يقوم بها الطبيب في المشفى وتصل تكلفتها إلى ملايين الليرات، حيث يبلغ سعر الحشوة المخصصة لتكبير الثدي مليونان إلى مليونين ونصف المليون ليرة، تضاف إليها أجور الطبيب والمشفى.
ويضيف الطبيب الجراح: إن سعر هذه المواد معروف عالمياً، وعادةً تأتي بكفالة الشركة المصنعة، وبشروط نقل وتخزين معينة، إلى حين مرورها على الرقابة والتخليص الجمركي، فيتسلمها الطبيب ويقوم بدوره بحفظها وفق الشروط المحددة، وذلك كان يتم عند استيرادها بشكل نظامي، في حين قرار منع الاستيراد رفع الأسعار بما يقارب الضعف، لأنها أصبحت تورد عن طريق التهريب، إما المقصود منه التجارة، أو الانتفاع الشخصي، مضيفاً إنها أصبحت تصل بأسعار أعلى وجودة أقل، ومن دون الاهتمام بشروط النقل والتخزين مما يؤثر في فاعلية المادة.
وأشار الطبيب إلى أن سعر حشوات السيليكيون المخصصة لترميم الثدي ارتفع إلى خمسة ملايين «أي ما يقارب الضعف» إضافة إلى أنها لا تخضع للرقابة الصحية، ما قد يعرضها للتلوث الجرثومي، وبالتالي تصبح مهددة لصحة المريض وسمعة الطبيب، وضرب مثالاً أن إحدى دفعات الحشوات التجميلية وصلت إلى البلد عن طريق المهربين، وكانت تفوح منها رائحة مشتقات نفطية، لأنه تبين أن المهرب كان ينقل المواد الطبية التجميلية وسيلة النقل نفسها التي يستخدمها لتهريب المازوت والبنزين.
وناشد الطبيب الجهات المعنية السماح باستيراد المواد الطبية التجميلية، خاصة أن الكميات التي كانت موجودة حين كان الاستيراد مسموحاً، هي ذاتها وبالكميات نفسها اليوم لكن عن طريق التهريب، مبيناً أن سورية لطالما كانت مقصداً للراغبين بالخضوع للعمليات التجميلية من دول الجوار، ما يرفد الاقتصاد السوري بالقطع الأجنبي، واستثمار انخفاض تكاليف العمليات وأجور الأطباء والسمعة الحسنة التي يتميز بها الطبيب السوري على مستوى المنطقة والتي كانت سابقاً هي سبب هذا الإقبال، ولكن عدد المراجعين من البلدان المجاورة انخفض بسبب ارتفاع الأسعار التي ترتبت على منع الاستيراد وقيام المهرب بالحصول على أرباح مضاعفة، ما ساوى أسعار عمليات التجميل في سورية مع مثيلاتها في دول الجوار، وبذلك يكون قد حصل على أرباحه على حساب خزينة الدولة والطبيب والمريض على حدٍ سواء، مؤكداً أن التجميل ليس رفاهية فقط، فهو إضافة للعمليات التي ترمم التشوهات الخلقية والتشوهات الناجمة عن الحوادث وعمليات ترميم الثدي التي تأتي بعد الاستئصال في حالة الإصابة بسرطان الثدي على سبيل المثال، فإن الكثير من السيدات تعطي اهتماماً كبيراً بمثل هذه الإجراءات لما لها من أهمية على الجانبين النفسي والحياتي إضافة للجانب الصحي.
طبيب آخر، كشف، أنه يجري يومياً عملية جراحية تجميلية أو عمليتين في المشفى، هذا إضافة إلى عمليات الحقن، التي حدد نسبتها الشهرية بـ30 بالمئة من مجمل عمله.
وأضاف: إن أطباء التجميل نوعان، طبيب جراح تجميل، وطبيب جلدية وتجميل، والنوع الثاني لا يقوم بالعمليات الجراحية التجميلية، بل يختص بعمليات الحقن، وهؤلاء لا يستطيع أحد حساب عدد عمليات الحقن التي يقومون بها شهرياً، إضافة إلى الكثير من المتعدين على المهنة، مثل مئات مراكز التجميل التي تعتمد على أشخاص قاموا بدورات تدريبية بسيطة، وبعض الصيادلة، حتى إن الأمر وصل إلى أن بعض مزيني الشعر يقومون بحقن (البوتوكس والفيلر).
وللحصول على وجهة نظر اقتصادية، اتصلنا بالخبير الاقتصادي الدكتور شادي أحمد الذي أكد ضرورة السماح باستيراد المواد التجميلية، لأن استيرادها يرفد خزينة الدولة في حال تم إصدار قوانين تنظم هذه العملية، بحيث يتم من حسابات المستوردين الشخصية من دون تمويل من البنك المركزي كي لا تؤثر على سعر الصرف، وأضاف: إن هذه التجارة تخدم عدداً كبيراً من الأشخاص، وذلك بحكم وجود الكثير الإصابات بين السوريين من جراء الحرب، مما يحتم ضرورة القيام بعمليات ترميمية وتجميلية، مضيفاً: إن الجهات المعنية تستطيع أن تفرض رسوماً إضافية على استيراد مواد التجميل، إذا تم اعتبارها من الكماليات وليس الضروريات، وذلك بما يضمن وصول هذه المواد بأفضل طريقة وأفضل أسعار ما يقطع الطريق أمام المهربين المستفيدين من هذا المنع.
وفي اتصال مع نقيب أطباء سورية الدكتور غسان فندي، أوضح أنه يتم العمل على السماح باستيراد بعض المواد الطبية التي تستعمل في التجميل، ذاكراً (البوتوكس) تحديداً، وأوضح أن المواد التجميلية نوعان منها ما هو طبي ومنها ما هو غير طبي، وأن النقابة تواصلت مع وزارة الاقتصاد للسماح باستيراد الطبي منها.
الوطن