المدير المنحوس والموظف المحظوظ !!
الساعة 25:طلال ماضي
بالنسبة لي لا أؤمن بالحظ سواء كان جيداً أم سيئاً، بل أؤمن بالإنسان الذي يسعى جاداً إلى صنع مستقبله، هذه كقناعة شخصية، لكن بعد الانتظار لمدة ساعة في أحد بهو صالات أحد المصارف الحكومية وساعة مماثلة في بهو مركز خدمة المواطن...
شاهدت ما يزعزع هذه القناعة، وبدأت تتغير، حيث تجد جميع العاملين في المصرف يعملون بجد وشفافية وعملهم معروف ورواتبهم محدودة، وحديثهم الصباحي حول المعاناة اليومية لتدبير أحوالهم، و"كأن النحس راكبهم" ، محاصرين بالبصمة لساعات طويلة، وراتبهم فرنكات قليلة، يتداولون الأحاديث عن رواتب الموظفين أمثالهم في المصارف الخاصة، أو حتى المستخدم في شركة خاصة راتبه ضعفي أي موظف مصرفي حكومي، وينتظرون تعويض العمل المصرفي كل 3 شهور أقل من ثمن صحن بيض، وعينهم على زميلهم العامل في الصندوق ينتظر العشرات أمامه دورهم للدفع والسحب، والأموال تأتيه من كل عملية منفذة، فهذا يترك له كسور الألف والآخر يقول له "منشان الله مشيني" وهي ألفين ليرة، والثالث يداوم على صرف الشيكات فأموره جاهزة قبل الدور والإكرامية على جنب، وصديقنا يخرج في نهاية دوامه وغلته أكثر من 50 ألف ليرة، وبحبوحة هدايا جانبية، بينما رفاقه يتحسرون على شراء فنجان قهوة.
وهذا الأمر نفسه يتكرر في المصالح العقارية والإسكان والمالية والنقل عند إخراج ورقة براءة ذمة أو أي ورقة من مركز خدمة المواطن، وبحاجة إلى وقت لإخراجها، تجد اسطوانة موظفة خجولة .. أستاذ هذه الورقة تحتاج إلى أسبوعين يمكن أن تنتهي خلال يومين لكن عليك أن تكرمني وحضرتك تعلم أنني أقوم بالدفع لزملائي من أجل تسريع العملية .
القلة من الموظفين المحظوظين الذين هم على تماس مباشر مع المواطن يرجعون إلى منازلهم وغلتهم تكفيهم للعيش والبحبوحة، بينما من هم خلف الكواليس محاصرين بالبصمة والكاميرات تراقبهم، والنحس راكبهم كيفما تحركوا .
الجميع يسأل كيف يمكن الانتقال من الموظف المنحوس إلى الموظف السعيد أو المحظوظ، وهذا بكل بساطة معروف للجميع، إلا لمن نصب نفسه وادعى العمل بالتنمية والتطوير الإداري، فآخر همه لسبب بسيط أن التغيير ممنوع، فالموظف المحظوظ له حظوته لدى من يحميه في مكانه، ومنهم من يتقاسم الغلة معهم، وليس من المستغرب أن ثمن وظيفة عامل فرد في محطة محروقات عامة تعادل ثمن وظيفة مدير منحوس لا يعلم ماذا يدخل ولا يخرج من مؤسسته، ووجوده أجر كرسي كونه يحمل إجازة جامعية باختصاص لا تمت بصلة للاختصاص الذي يعمل به، ويمثل إدارته فمثلاً أن يكون صحفي مدير بيئة أو صناعة، وجوده فقط لأنه يريد أن يكون على كرسي المدير بغض النظر ماذا يقدم وماذا يعرف أن يقدم، ويلعبون بقراراته المتناقضة كونه لايفهم من الإدارة إلا أنه مدير، ولديه مستخدم يقدم له القهوة، وينظم دخول المراجعين .
المدير المنحوس يمسك بالكرسي لايريد غيرها، غير معني بالمناقصات والعقود، ولا استثمار الندوات التي ذهب ريعها إلى خزينة وزارة المالية، ولا بنقل العاملين والمدعومين، ولا يعرف من أين يمكن الاستفادة، هو فقط ينفذ ما يملي عليه من رشحه لهذا المنصب، ودعمه للفوز بالبقاء على الكرسي وليبقى المحظوظ الذي يحميه يعزز من مكاسبه وحضرته يحصد النحس من كرسي لا يهز ...