مضافات السويداء بين الماضي والحاضر بيئة حاضنة للصلح الاجتماعي
الساعة25- ندى بكري:
(ساحة الطرشان) مكان قلّ من يجهل موقعه في محافظة السويداء فقد اكتسب اسمه من المضافة التي بنيت الساحة أمامها وهي مضافة عائلة الأطرش، وعائلة الأطرش هي العائلة التي تولت إدارة الشؤون الاجتماعية والإدارية لمدة تزيد عن المئة عام في جبل العرب.
كانت مضافة العائلة إحدى أساسيات الإدارة كون ملكيتها تعود إلى العائلة التي تشرف على شؤون الجبل حيث يروي لنا الشيخ المعمر (يحيى مان الدين) أن هذه المضافة كانت مكان التقاء أمير تلك العائلة ووجهائها للتشاور في الأمور المتعلقة بالجبل وإصدار القرارات حولها، وفض الخلافات الاجتماعية أو لتقديم واجب الضيافة للزوار من الداخل أو الخارج كون لهذه المضافة عدة أشباه منتشرة في أكثر من منطقة ولذات العائلة كمضافة الإمارة في قرية عرى ومضافات آل الأطرش في السويداء والقريّة وغيرها من الأماكن، فوصول ضيف إلى قرية ما يعني توجهه إلى المضافة الأقرب لوجهته ليتم استقباله فيها ويُكرَم.
وكان لهذا البناء الاجتماعي تقاليد لا تكسر فلا يغلق بابه ولا يرد صاحب حاجة أو شكوى التجأ إليه دون النظر في أمره، أما الضيافة التراثية الأصيلة وهي القهوة المرّة دائمة الحضور فيها، تقدم على مدار الساعة كنوع من أنواع الترحيب.
بعد انتهاء زمن سلطة العائلة الواحدة وحلول المؤسسات الحكومية بدلاً عنها لإدارة الشؤون الاجتماعية والإدارية في السويداء، طرأ تعديل على دور مضافة العائلة وتبعيتها، فوفق الباحث (محمد طربيه) أن هذه الفترة شهدت ظهور مضافات لعائلات متعددة كمضافة آل جربوع وأبو عسلي وجانبيه وأبو الفضل في مدينة السويداء، وبات الهدف من وجود هذه المضافات هو ما سنطلق عليه اصطلاحاً اسم "الصلح الاجتماعي" ففي محافظة السويداء لازالت الأعراف والتقاليد تلقى صدى في حل المشكلات التي تنشأ بين الناس، كبعض حوادث القتل التي تحل بما يسمى "عقدة الراية" أو كإنهاء خلاف أو قطيعة بين العائلات ويحل بـ "الصلحة".
حيث يختار أصحاب مثل هذه المشاكل الالتجاء إلى وجهاء إحدى مضافات العائلات التي سبق ذكرها ليتم تداول المشكلة وحيثياتها من قبل أصحاب الشأن في العائلة المكلفة بإجراء الصلح الاجتماعي، وتقريب وجهات النظر بين طرفي الخلاف وقد تشهد المضافة في هذه الحالة انعقاد مجالس متعددة للوصول إلى حل للمشكلة، وقد تبوء مساعي الإصلاح تلك بالفشل أيضاً ليكون القانون هو الحكم.
يبدو أن الزمن غير قادر على تقليص الدور الاجتماعي الذي يحتله وجود مضافات العائلة، فهي بشكل من الأشكال اندمجت بالعادات والتقاليد والأعراف وباتت جزءاً من الهوية التراثية للجبل.