مفاجأة مسابقة التوظيف المركزية.. 40 ألف شاغر لم يتقدم إليها أحد!!
لاقت مسابقة التوظيف المركزية التي أطلقتها وزارة التنمية الإدارية الكثير من الترويج لكونها استقطبت عدداً كبيراً من المواطنين وفقاً لتوصيفٍ وظيفي محدد، لكن الأعداد التي أعلن عنها لم تؤخذ كاملة، فقد انخفضت من 110 آلاف فرصة عمل، إلى 80 ألف فرصة تقدم إليها ما يزيد على 184 ألف متسابق، إلى 33 ألف متسابق نجحوا في المسابقة، الأمر الذي أعادته وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف في تصريح تلفزيوني لها إلى وجود نحو 40413 شاغراً وظيفياً لم يتقدم إليها أحد.
وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة: هل أخذت وزارة التنمية الإدارية التي تسلمت زمام الأمور في هذه المسابقة بعين الاعتبار معايير مراعاة ارتفاع عدد الموظفين ببعض المؤسسات وقلتها في مؤسساتٍ أخرى؟ وهل سيحقق هؤلاء الناجحون مكاسب للدولة؟ أم إنها ستتسبب بخسائر اقتصادية؟
من جانبه استغرب الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، من مركزية هذه المسابقة وتدخل وزارة التنمية الإدارية بكل أعمال الأجهزة الحكومية، متسائلاً: «كيف وصلت وزارة التنمية الإدارية إلى أن الجهات العامة تحتاج إلى 80 ألف موظف جديد في الوقت الذي يعاني فيه الجهاز الإداري تضخماً كبيراً»؟
واعتقد عربش أن هذا العدد مبالغ به وأنه عبارة عن إبرة مخدّر لهذه الفئة من الشباب، وخاصة أن ثلاثة أرباع الموظفين في أي جهة عامة نائمون والربع الباقي فقط يعمل على حد تعبيره، مشيراً إلى أن نسبة البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة وصلت إلى نحو 33 بالمئة بالحد الأدنى فالموظف لا يعمل أكثر من ساعتين في اليوم، وذلك يعرف من خلال العدد الكبير للسائقين والمستخدمين وموظفي الفئة الرابعة والخامسة، ما يشكّل هدراً كبيراً للرواتب والمحروقات والانترنت وما إلى ذلك.
وطرح عربش مثالاً على الاختصاصات التي تكثر فيها البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة كاختصاصات الهندسة، فمنذ نحو 50 سنة التزمت الدولة بعملية فرز المهندسين في الوقت الذي كانت تعاني فيه سورية نقصاً شديداً بأعدادهم فكانت الحاجة ملحة حينذاك، ولكن ما زالت هذه الآلية متبعة حتى اليوم ما شكل مزيداً من الضغط وخاصة أن المهندس الذي يُفرز إلى جهة ما يعتبر ملاكه مُحدَثاً حكماً، لذا فإن معظم المهندسين في الوظائف من دون عمل، ومعظم الشخصيات الإدارية والمناصب هم من المهندسين لذلك تسير المؤسسات من ترهل إداري إلى ترهل أكبر.
وبيّن عربش أنه في حال كان أجر الموظف في البداية نحو 100 ألف ليرة بشكل صاف، فهذا يعني أن الدولة ستدفع شهرياً نحو 3.3 مليارات ليرة لـ33 ألف ناجح في المسابقة، وسنوياً 39.6 مليار ليرة، وفي حال كانت التأمينات الاجتماعية 14 بالمئة تزاد إلى هذه الأجور، فستكون الكتلة النهائية السنوية تقارب 45.1 مليار ليرة، متابعاً: «يجب أن نسأل عن القيمة المضافة لهؤلاء الناجحين للعمل الوظيفي، وخاصة أننا لا نملك معلومة حول توزع الموظفين حسب أعمارهم، ولكن إذا كان لدينا أعداد كبيرة ستحال على التقاعد خلال فترة قريبة، فلا بد من تعويضهم من خلال هؤلاء الناجحين الذين يجب على الدولة أن تدرّبهم وتؤهّلهم لإشغال هذه المواقع».
وحول المرجعيات التي اعتمدت عليها وزارة التنمية الإدارية في تحديد احتياجات سوق العمل، لفت عربش إلى أنه منذ إصدار قانون العاملين الأساسي في الدولة عام 1985 لم تجرِ أي جهة دراسة جدية عن سوق العمل في سورية من حيث مدخلاته واحتياجاته، فمثلاً ما زال المرصد العمالي للدراسات والبحوث يتحدث في ورشاته بمواضيع لا تنسجم مع واقع الوظيفة العامة، فهناك عناوين مأخوذة من الإنترنت يناقش فيها أشخاص معظمهم غير اختصاصيين، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه المرصد مركزاً بحثياً يجتمع فيه الباحثون حول موضوع معين يتناقشون ويقدّمون أوراق عمل ليخرجوا بتوصيات ترفع إلى الحكومة، لافتاً إلى أن هذا المرصد لا يستطيع تحديد واقع الوظيفة العامة بدقة ومواصفات الموظف العام والتوصيف الوظيفي لكون هذا الأمر يعد من مسؤولية وزارات مختصة بإشراف رئاسة مجلس الوزراء وطبعاً يحتاج هذا الأمر إلى تشريع خاص فيه.
من جهته، يرى عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال وأمين الشؤون الاقتصادية طلال عليوي أن الكثير من مؤسسات الدولة لم يتم تشميلها بالمسابقة المركزية ومنها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، معتبراً أن هذا القصور يقع على وزارة التنمية الإدارية لكونها تحدد الاحتياجات بناء على المعطيات الواردة إليها من المؤسسات العامة، وعلى مؤسسات الدولة من جهة أخرى لأنها لم تحدّث ملاكاتها الوظيفية التي تعود إلى عام 1985، لذا لم تستطع الوصول إلى حجم العمالة الحقيقية، معتبراً أن هذه المسابقة بخست الكثير من العاملين المؤقتين حقّهم، وخاصة أنها لم تأخذ بعين الاعتبار سنوات التوظيف السابقة، أي إن الناجح منهم سيعود إلى أجر بداية التعيين، إذاً فإن هذا الأمر لم يكن مدروساً من قبل الجهات العامة.
وأشار عليوي إلى أن الوزارة لم تطلب من المرصد العمالي للدراسات والبحوث (وهو عضو في مجلس إدارته) أي دراسات أو بحوث قام بها، بل اعتمدت بالكامل على الإحصائيات الواردة من الوزارات المعنية، موضحاً أن دراسات المرصد تقيس حجم العمالة الموجودة فقط وليس حاجة مؤسسات الدولة، لذا فهي تُعتبر مجرّد دراسات استئناسية، لافتاً إلى أنه ولو كانت دراسات المرصد لسوق العمل شاملة فلن تكون بدقة الإحصائيات الواردة من المؤسسات.
من جانبه يعتبر الخبير التنموي ماهر رزق أن هذه المسابقة جاءت في وقتٍ تعاني فيه مؤسسات الدولة معاناة مزدوجة، فهي من ناحية لديها تخمة وفائض وبطالة مقنّعة بعدد كبير منها، ومن ناحية أخرى لديها نقص حاد في الخبرات وخاصة أن أصحاب الخبرات من مديرين ورؤساء أقسام هُجِّروا بطريقة قسرية باعتبار أن مؤسسات الدولة طاردة للكفاءات بسبب تفضيل الولاءات على الكفاءات، أما الهجرة الثانية فهي بسبب تراجع أجور القطاع الحكومي بشكل غير طبيعي لذا هاجرت هذه الكفاءات إما إلى مؤسسات القطاع الخاص وإما إلى خارج البلاد.
وفي هذا السياق يرى رزق أن المسابقة فشلت في جذب الخبرات ولن تعالج مشكلة نقص الكفاءات لأن معظم الناجحين خريجون جدد ولا يمتلكون أي خبرة عملية، فيمكن أن تكون هذه المسابقة نقمة حقيقية إذا انضم الناجحون فيها إلى صفوف البطالة المقنّعة واعتبروا أن أجورهم في هذه الوظائف مجرد إعانة مادية لهم من دون تأدية أي عمل، وتآكلوا بين المكاتب والبيروقراطية السائدة، ما سيتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة أولاً، إضافة إلى أن تضخم أعداد الموظفين على المهام ذاتها سيؤدي حتماً إلى تقاذف المسؤوليات بين من يعمل ومن يتقاعس عن عمله، وهذا يعني مزيداً من الشلل في عمل المؤسسات.
وتابع: «ولكن بما أننا أصبحنا أمام أمر واقع، فيمكن اعتبار المسابقة نعمة أيضاً بشرط إصدار قانون تقاعد مبكر للكوادر القديمة لمنع التراكم بأعداد الموظفين وخلق تنافر وحالة غير صحية من التنافس بين القدامى والجدد، وذلك بالتزامن طبعاً مع إجراء برامج تدريب فعلية لمدة 6 أشهر مثلاً تتضمن بناء قدرات لتغطية المناصب وبذلك تُعالج مشكلة نقص الخبرة بالتدريب بدلاً من الانتظار عشر سنوات لاكتساب الخبرات، ولكن بشرط امتلاك أدوات التدريب وألا يكون تدريباً نمطياً ونظرياً ونقلاً غير مترجم عن بيئات أخرى غير مشابهة لبيئة العمل السورية».
وألقى رزق اللوم على عدة جهات كان دورها مغيّباً في هذا المجال مثل مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمكتب المركزي للإحصاء الذي يجب أن يجري مسحاً للقوى العاملة، مشيراً إلى وجود ثغرة كبيرة يتم الحديث عنها منذ عشرات السنين وهي عدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل، مضيفاً: «كما أننا حتى اليوم نعيش مرحلة التوظيف الاجتماعي أي نعتبر أن الوظيفة هي مسؤولية الدولة وهذا صحيح دستورياً وقانونياً وأخلاقياً، ولكن بشرط ألا تكون مهمتها مقتصرة على القطاع العام، إذ يجب إعطاء تسهيلات للقطاع الخاص كي يتوسع بأعماله ويستوعب القوى العاملة الجديدة التي تدخل إلى السوق، ولكننا لا نرى إلا مزيداً من التضييق على القطاع الخاص بقضايا عدة كالضرائب والتأمينات وما إلى ذلك، إضافة إلى إبعاد عدد من أصحاب الأعمال من الدعم الاجتماعي مؤخراً».
وأشار في هذا السياق إلى أنه كان من الأجدى زيادة الأجور من خلال هذه الكتلة النقدية الجديدة وتحسين وضع الموظفين القائمين وإجراء دورات بناء قدرات وتدريب لتحسين الأداء، بالتزامن مع تقديم تسهيلات للقطاع الخاص لاستيعاب الخريجين الجدد.
الوطن