2021 Dec 10

الدروس الخصوصية شكل آخر من "التعفيش" وتأكيد أن بغايا التعليم أقذر وأخطر من بغايا الاقتصاد والسياسة ..

الساعة 25:نضال فضة

كما "تعتقد بعض النساء أن الزواج هو الفرصة الوحيدة للانتقام من الرجل" , يعتقد بعض المدرّسين أن "تفخيخ وتلغيم" الحصة الدرسية الصفية فرصة للانتقام من الظروف المعيشية واصطياد أكبر عدد من الأرانب "الملايين " باستخدام خدعة الدروس الخصوصية , مؤكدين بذلك أن بغايا السياسة أقذر صنف وأقذر منهم بغايا التعليم وأن تكلفة العهر التربوي والتعليمي يدفعها دوما المساكين .

ولكن هل سألنا إلى أين قد تصل بنا هذه القوة الناعمة "الدروس الخصوصية" وما مدى قوتها التدميرية على البلد ؟ , وهل هناك رابط بينها وبين تصنيفنا الدولي المخجل لجهة جودة التعليم والتصنيف الجامعي؟ .. كم من المواهب والعقول التي دمرتها ؟ , كم من الشروخ الاجتماعية والعقد النفيسة التي تركتها بين التلاميذ والطلاب؟ , كم من الضيق والإحراج المادي التي تسببت به للكثير من الأسر؟.

وزير التربية يقول إنه لا يستطيع منع هذه الدروس ,وأنا أؤكد أنه غير مطلوب منه ذلك , وإنما المطلوب معالجة الأسباب التي دفعت بالطلاب إلى أحضانها .. المطلوب إدراك حقيقة أن تدمير منظومة التعليم تبدأ من الحصة الدرسية , وأن تدمير التعليم يعني تدمير أجيال , يعني تدمير فرصة إنقاذ البلد .. إدراك أن الزراعة تسد الجوع والصناعة توفر الاحتياجات لكن التعليم يزرع ويصنع وطنا ..

مستغلين مقولة "إن القاموس كتاب وضعه العلماء ليعتمد عليه الجهلاء ويبقون على جهلهم ", يتقصد الكثير من المدرسين وخاصة في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي "زراعة الألغام " في حصصهم الدرسية سواء من خلال الإعطاء المنقوص وترك الثغرات أو تمييع الدرس وإضاعة الوقت بأحاديث جانبية ووووو , وكل ذلك بهدف خلق خلل لدى الطالب لا يمكن استكماله إلا بدرس خصوصي غالباً ما يفوز به نفس المدرس , ما يؤكد أن المعلم الموهوب مُكلف لكن المعلم السيء أكثر كلفة , ما يؤكد أن هؤلاء الفصيل من البشر الذين يعتقدون أن المال هو كل شيء يعملون من أجله أي شيء .

تخلّي المدرّس عن ضميره وفكرة تحويل الصف إلى بقرة حلوب والفوضى التي يسببها الطلاب الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية خلال الحصة الصفية ووو , أمور أدّت بمجملها إلى اغتيال الحصة الدرسية والتي هي نواة العملية التعليمية والتربوية, وبالتالي حرمان الكثير من الطّلاب غير القادرين على الالتحاق بمعسكر الدرس الخاص من فرصة الاستفادة منها ..تكرار العملية وتراكم نتائجها تخلق حواجز بين هؤلاء الطلاب وفكرة مواصلة التعليم .. وما مبادرة الطلاب لتمزيق كتبهم بعد انتهاء الامتحانات إلا دليل قاطع بأن أسلوب التعليم المتبع في مدارسنا كرّس نتائج عكسية , خلق حالة كره العلم ونبذ التعليم ومقت الكتب.

هذه الدروس خلقت نوعاً من النفور والغيرة بل " والحقد الاجتماعي" بين زملاء الصف الواحد بسبب تباين القدرات المالية .. بمعنى زبائن الأستاذ الخصوصيين لهم معاملة خاصة وعلامات خاصة , الأمر الذي ينعكس سلباً على نفسية ورغبة الآخرين في التعلم .

"تلغيم وتفخيخ "الحصة الدرسية أمر يضع بعض الأسر أمام خياراتٍ صعبة , إما ترك ابنهم أوابنتهم أمام مغامرة الاجتهاد الشخصي , وإما رصد مبالغ كبيرة للدروس الخصوصية على حساب أساسيات الحياة المعيشية ,حتى إن البعض قام ببيع بعض أساس المنزل لتأمين هذه المبالغ باعتبار أن مستقبل الأبناء أهم من أي شيء.

الدروس الخصوصية بدأت تؤسس لحالة من عدم الترابط بين الأبناء والأهل وخاصة عندما يتم وضع الأطفال في عهدة معلم أو معلمة بعد الدوام المدرسي على أمل متابعة المنهاج وأساسيات التربية .

طبعاً ما ذكرت لا ينطبق على جميع المدرسين , فهناك ورغم قلة عددهم مدرسون نتفاخر بهم ويمتلكون مخزوناً ضخماً من الأخلاق والقيم والضمير .. بالمقابل أنا لست ضد الدروس الخصوصية لكن على أن تكون ضمن ظروف خاصة لا أن تصبح تقليداً إجبارياً تفرضه ظروف التعليم .. كما لست ضد أن يسعَ المدرس لتحسين وضعه المعيشي في ظل هذه الرواتب المخجلة , لكن ضد أن يتاجر بمستقبل طلابه وضد أن يستغل حاجة الآخرين بهدف جمع المال .. أخشى أن العقول الصغيرة لا تستوعب الصراحة .

يُقال "فساد التعليم كالرائحة الكريهة لا يكفي أن تسُدّ أنفك عنها بل يجب أن تتحرى مصدرها وتزيلها ".