معذور ذلك المواطن الذي يُريد لقاح كورونا فقط لأجل الهجرة والسفر أو الفوز بتوقيع أخضر و زيت وسكر ..
الساعة 25:نضال فضة
"كُن حذراً وأنت تقرأ كُتب الصحة فقد تموت بخطأ مطبعي" , عبارة أطلقها مارك توين وكأنه يُخاطب شعباً علّمته الحرب أن لا حقيقة ثابتة في الصحف إلا صفحة الوفيات .. علّمته أن وباء كورونا أقلُّ خطراً من الأوبئة الأخرى المنتشرة في أي مكان شئت من مراكز و دوائر و مربعات البلد .
هذا الشعبُ "المُمانع" الذي امتنع خلال الفترة الماضية عن تلقي لقاح كورونا متأثراً بتضارب التصريحات والتقارير من جميع الاتجاهات الجغرافية والسياسية , فجأة " أقتنع " بأهمية اللقاح وبات يتزاحم ضمن المراكز الطبية طلباً له , لكن و للأسف الدافع لدى الكثيرين ليس الوقاية من المرض , أو من منطلق أن الصحة هي ثروة الانسان العاقل , وإنما للحصول على بطاقة لقاح تساعده على الهجرة والسفر أو الفوز بتوقيع أزرق و أسود و أخضر في المؤسسات الحكومية , أو ربما خوفاً من عدم الحصول لاحقاً على مخصصات الرز والزيت والسكر .
شعبٌ بات يسعى للحصول على هذه البطاقة بأي شكلٍ ممكن ولو بطرق ملتوية (شراء البطاقة دون لقاح) بعدما أوصلته الحرب وظروفها إلى قناعةٍ أن الموت قد لا يكون بتوقف النبض فقط , وإنما تنامي الفساد موت , واليأس موت , وظلمة المستقبل المجهول موت .
شعبٌ لم يستطع إلا أن يحشر السياسة في القضايا الصحية , فالبعضُ يريد اللقاحات الروسية والصينية لأنها من "دول صديقة وستكون آمنة" , وسط اعتقاد أن اللقاحات الغربية قد تكون "ملغومة" بعدما عوّدنا الغرب ألا نثق به في شيء , فيما تراكض من يريد الهجرة أو السفر نحو اللقاح الغربي لأن وساطته مستجابة في المطارات وعلى الحدود .
لكن هذا الشعب لم يفهم بعد كيف يمكن أن يُشكّل فيروس كورونا خطراً على الناس عند الدخول إلى المؤسسات الحكومية , بينما هو آمن خلال المؤتمرات والاجتماعات و الاحتفالات الجماهرية والرسمية .. يريد أن يفهم كيف يطلبون من الناس التباعد الاجتماعي بينما لا يتم تأمين وسائل نقل عامة تمنع التجمعات والتدافع والاكتظاظ كالماشية .. لا يتم تأمين الخبز بشكل يمنع التجمعات والمعارك أمام الأفران وووو.. وسط ذلك هناك من "يزعم" أن قرار منع دخول المؤسسات بدون لقاح أو كمامة لم يكن حرصاً على الناس وإنما هو إجراء اتخذه "المسؤولون" حرصاً على "سلامتهم الغالية على الشعب" .
الناس اليوم يتوافدون إلى المراكز الطبية ولم تعد تهمهم مقولات أن جميع الذين تلقوا اللقاح سيموتون في غضون عامين أو أن اللقاحات لم تخضع لاختبارات كافية أو لا تفيد ضد السلالات المتحورة .. لم يعد يهمهم ما يُشاع أن اللقاح يُغيّر الحمض النووي البشري أو يمكن من خلاله التحكم بالإنسان .. وإنما ما يهمهم اليوم هو ضم بطاقة اللقاح إلى البطاقة الشخصية والبطاقة الذكية لإتمام عناصر المُواطًنة الحقيقية بما يسمح بالتمتع بخدمات حكومية شبه مفقودة وأخرى موعودة .
و بالرغم من خطورة الوباء هناك من يعتقد بضرورة عدم تصديق أن بعض الأشياء فقط مُضرّة بالصحة , وإنما هناك بعض القرارات و بعض الأشخاص قد يلحقون بك ضرراً أكبر من الذي تُصرّ السلطات الصحية على تحذيرك منه .
بالمحصلة .. المنطق يقول بضرورة تلقي اللقاحات لأن من يمتلك الصحة يمتلك الأمل ومن يمتلك الأمل ربما يمتلك كل شيء.