من المهم أن يتمكن المسؤول من قول الحقيقة للناس ..
هناك دائماً روايتان لسبب جنون الأسواق , رواية صادقة , ورواية الجهات الرسمية .. منظمة الأغذية العالمية(الفاو) تؤكد أن فورة أسعار المواد الغذائية التي شهدها العالم بين منتصف وآخر شباط الماضي بدأت (باستثناء القمح) بالتراجع في الأسواق العالمية منذ نيسان, وأن هذا التراجع استمر في أيار , أي أنها تواصل انخفاضها .. لكن الجهات الرسمية مازالت تصرّ على رواية أن الذئب هو من أكل الخراف وأن ارتفاع الأسعار في السوق المحلية صورة طبق الأصل عن الأسواق التي نستورد منها..
روايتان متناقضتان لكن فيهما تأكيد أنه بينما الأرزاق بيد الله فإن الأسعار بيد التجار وشركائهم الرسميين .. إنه لا إرهاب يوازي إرهاب الأسعار .. إن الإرهاب المسلّح يقتل الجسد , والإرهاب الفكري يقتل كل طاقات هذا الجسد , أما إرهاب الأسعار في ظروف كظروفنا فيقتل الاثنين معاً.. تأكيد أن سقوط ألف شخص من علّية القوم أقل ضرراً على الناس من ارتفاع عدد قليل من السفلة.. تأكيد أن الحيل والخداع هي شيمة الذين لا يمتلكون عقلاً كافياً ليكونوا صرحاء .
جميعنا يتذكر أن الأسعار في أسواقنا شهدت ارتفاعاً جديداً بمجرد إشاعة احتمال عملية عسكرية روسية في أوكرانيا , أي قبل ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية التي نستورد منها , وعندما ارتفعت الأسعار في تلك الأسواق بفعل تلك العملية قام تجارنا مرة ثانية برفع الأسعار , وعندما بدأت تلك الأسواق بامتصاص الصدمة وعاودت أسعارها للاستقرار ومن ثم التراجع وخاصة الزيوت واصل تجارنا جشعهم , والمؤسف أن الجهات الرسمية المعنية تسوق في اللعبة وتواصل دفاعها المستميت عنهم .. ماذا يعني ذلك ؟ .. وهل من المنطق أن نتأثر بإشاعة ولا نتأثر بالحقيقة؟.. ألا يعلمون أن ما يمكن تأكيده دون إثبات يمكن نفيه دون إثبات ؟.
بينما هناك من يقول إن مع ارتفاع الأسعار ظهرت طائفة جديدة إلى جوار النباتيين هي طائفة الرغيفيين (أكلة الخبز الحاف) , هناك من يستهجن الاستمرار بتعليق ملف أسعار المواد الغذائية على شماعة الحصار باعتبار أن تلك المواد أساساً لم تكن ضمن قائمة العقوبات .. يستهجن التذرع بالأسواق الخارجية في وقت تؤكد المنظمة العالمية المتخصصة بالغذاء أن تلك الأسعار بدأت تنخفض منذ نيسان .. يستهجن الهروب إلى شماعة تأمين العملة الصعبة في وقت تدخل أفخم السيارات وأحدث صرعات الموبايلات إلى السوق المحلية , في وقت لا نعلم أين تذهب عوائد صادراتنا الزراعية .. في وقت تزعجنا المصيبة التي تهددنا أكثر من تلك التي أصابتنا بالفعل .
وبعيداً عن الجدال البيزنطي هل تمتلك غرفة التجارة أو الجهات الرسمية المعنية بأسعار السلع المستوردة جرأة نشر قوائم شهرية لتلك السلع في بلدان المنشأ , قوائم مصدقة رسمياً و"بضمير" من قبل سفاراتنا أو قنصلياتنا أو أي جهة تمثلنا في تلك الدول فيتم بذلك إسكات من يتهمهم بالجشع أو التواطؤ
إذا "أردت أن تمرر كذبه بعّد شهودك" هي مقولة يمكن أن يستغلها التجار وشركائهم الرسميين للتلاعب بأسعار المواد المستوردة من ما وراء الحدود والبحار , لكن هل يمكن بوجود ملايين الشهود الاقتناع بمبررات رفع أسعار المنتجات المحلية وخاصة الزراعية .. هل يمكن أن يفسر لنا أحد سبب موت كافة الأفكار والمقترحات التي تحدثت سابقاً عن أسواق شعبية تتيح البيع المباشر من الفلاح إلى المستهلك أو تلك التي كانت تتحدث عن إمكانية قيام وزارة التجارة الداخلية باستجرار المحاصيل مباشرة من الفلاح وبيعها في مؤسساتها فيتم اختصار أهم حلقة للتلاعب بالأسعار وهي حلقة السمسار ..
الشارع متخبّط بين الحقائق والشائعات .. الشارع وطني ذكي ويقدر ظروف البلد لكنه يريد أن يعلم الحقائق مباشرة من مسؤولي بلده وليس من أي جهة أخرى .. يريد سماع مبررات منطقية .. يريد التأكيد أن كل حديث عن الإصلاح مع إبقاء العقليات والمفاهيم التقليدية إنما هو نقش على الماء
الساعة25:نضال فضة