السادة "المسؤولين" الاعتراف بالفشل وتقديم الاستقالة ليس عيباً ..
العنقاء والغول والخل الوفي واستقالة مسؤول في بلادي مستحيلات لايختلف عليها حتى الحمقى ومشتقاتهم ..
أن يخرج وزير أو مسؤول ما ويعلن اعتذاره واستقالته من منصبه بعد فشله المتكرر في إنجاز مهمته و واجباته تجاه الناس .. أن يعترف بأخطائه وعجزه وتقصيره .. هي خيارات مستبعدة من قواميس المسؤولين ومرفوضة حتى الرمق الأخير بل حتى آخر ذرة "كرامة" .
منذ 13 عاماً وفي مكتبه قمت بمحاصرة أحد الوزراء ببعض الأسئلة لكنه استطاع التملص بجواب :"هيك بدو رئيس الحكومة ".. وبحكم علاقتي به حينها تجرأت وسألته: طالما تُفرض عليك قرارات وزارتك وأنت غير مقتنع بها لماذا إذاً لا تقدم استقالتك ,ابتسم وقال : " الأمر ليس بهذه البساطة إنه معقّد أكثر مما تعتقد".
اليوم وبعد 13 عاماً من عبارة الوزير السهلة الممتنعة .. اليوم وفي ظل الإصرار على سيادة مفهوم أهل الولاء والخضوع على أهل الموهبة والتميز..اليوم يبدو أن الأمر مايزال أيضا ًغير بسيط على أولئك الذين وبالرغم من فشلهم الفاضح يتمسكون بكراسيهم حتى آخر برغي , وآخر ليتر بنزين .
إنها ثقافة أنا أو لا أحد .. ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان ..ثقافة عبادة الكرسي والتمسك به بالأسنان والأظافر وإباحة فعل كل شيء لأجله .. إنها الثقافة المعادية لثقافة تقديم الاستقالة التي لم تنضج بعد في بلادنا .. ثقافة الخصم لثقافة الاعترف بالمسؤولية الأدبية و الأخلاقية .
لماذا هناك في بلاد "الكفر " نجد المسؤولين ومن كافة المستويات يقدمون استقالاتهم عند أول خطأ و لا يسارعون إلى التبرير والتنصل من المسؤولية حتى وإن لم يكونوا مسؤولين عنها بشكل مباشر؟ .. لماذا هناك يعترفون بالأخطاء ويقرّون بالتجاوزات حتى وإن لم تكن في نطاق اختصاصاتهم المباشرة ؟.. لماذا هناك احترام لحرمة الكرسي .. احترام للقانون ولقيمة الحساب والعقاب ..احترام لمشاعر ورغبات الناس؟ .
لماذا هنا مايزال مفهوم الاستقالة بالنسبة لأصحاب التواقيع شيء معيب مشين , بل خارج الخيارات ؟ .. لماذا هنا إذا ما تم إعفاء مسؤول من منصبه فإنه لا يعترف بفشله بل يلوم غيره ويتأبط بنظرية المؤامرة عليه ؟ .. لماذا هنا العقليات مازالت تعيش خارج حدود الشجاعة لثقافة الاعتراف والاعتذار والتنحي الإرادي ؟.. لماذا المكابرة والمماطلة بالرغم من وجود قرائن كافية لتأكيد الفشل ؟.. لماذا هنا ثقافة الاستقالة تقتصر على الوسط الرياضي، وتحديداً في حالة هزيمة فريق في مباراة هامة ؟.
لماذا لانريد أن نفهم أن ثقافة الاستقالة هي حالة حضارية باعتبارها تقوم بتغليب الصالح العام على كافة أنواع الصالح الأخرى؟ .. لماذا لانريد أن نفهم أنها دليل على احترام المسؤول لنفسه ولمن حوله؟ .. إنها الفعل المعاكس تماماً للحماقة . أعتقد أنه من المفيد التأسيس لثقافة الاستقالة التي تبدأ بالبيت حين يتعلم الصغار الاعتذار لآبائهم وإخوتهم وأصدقائهم وجيرانهم عن الأخطاء مهما صغرت.. ثقافة قادرة على خلق جيل جديد يمتلك موهبة النقد الذاتي وتقبّل النقد من الآخرين .
سيادة " المسؤول " إن الحفاظ على المال العام مسؤوليتي ومسؤوليتك ومسؤولية الجميع، ولا ينبغي تحت أي ظرف كان التخلي عن هذه المسؤولية، أو السماح لأي طرف أن يمس حقوق الدولة والمجتمع، أو يقترب منها، شرعاً وعرفاً وأخلاقاً وقيماً ومبادئ وقانوناً.. ويبقى السؤال لو فجأة استفاق مفهوم ثقافة الاستقالة لدى المسؤولين في بلدنا ، كم مسؤولاً سيبقى في موقعه ؟.
الساعة 25: نضال فضة