لا تلوموا الذين يخفّضون سقف المطالب بل لوموا الذين يرفعون سقف العناد !
الساعة 25:نضال فضة
يقول الإمام علي كرّم الله وجهه "حين سكت أصحاب الحق عن الباطل توهّم أصحاب الباطل أنهم على حق " .. هي حال شارع في خضم حرب وظروف لا تُحدّد من هو صاحب الحق وإنما تحدد من تبقى .. شارع دفعته سياسة الأمر الواقع لعدم التفكير بالمفقود حتى لا يفقد الموجود .
هي حالُ شارعٍ تصفعه كل يوم قرارات قاسية وإجراءات معظمها باطلة مريرة تفوق طاقته بكثير , ومع ذلك ومراعاةً لظروف البلد يتحلى بصبر مُكعّب تم استغلاله على أنه قبول تعقبه "صليات" أو" رشقات " قرارات أكثر قساوةً .. حالُ مواطنٍ يريد التعبير عن شيءٍ معقدٍ وكبير وفي النهاية يكتفي بدمعةٍ , بغصة , بهمسة , بابتسامةٍ صفراء , وفي أسوأ الأحول بلحظة غضب يعقبها صمت "ديمقراطي" و دُعاء .
هي حالُ شارعٍ علّمته الظروف أن الخذلان الأكبر يأتي أحياناً من الذين اختبرتهم أكثر .. حالُ مواطنٍ صار يواسي نفسه بفكرة أن خسارة الصوف أفضل من خسارة الخروف رغم يقينه أن ثمة خساراتٍ كبيرة إلى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن .
المواطن هناك يعلم ماذا سيحدث مستقبلاً في بلاده , أما المواطن هنا لا يعلم ماذا يحدث في بلده الآن , لكنه متأكد أن الأمور تتطور وبوتيرة عالية من مرحلة غسيل الأموال إلى مرحلة غسيل السمعة حتى لم يعد أهل الأمل يشبعون من خيبة الأمل .
المواطن كان سابقاً يطالب بإلغاء تقنين الكهرباء المقرر بحدود أربع ساعات في اليوم , واليوم يطالب فقط بأربع ساعاتٍ وصل حقيقة كي يستطيع استغلال بعض وظائف الكهرباء التي تختلف عندنا عمّا هي عليه في بلاد العم أديسون والخال تيسلا .. مواطن اكتشف أن حقوقه لا تتعدى في أفضل الأحوال حق الأكل والشرب والإنجاب والموت .. اكتشف أن الحماقة هي المرض الوحيد الذي لا يتعب المريض به بل يُتعب كل المحيطين حوله.
سابقاً كان راتب الموظف الحكومي نحو 300 دولار في الشهر ومع ذلك كان يعتبره قليلاً ويرنو إلى الألف دولار على الأقل , أما اليوم فهو لا يتجاوز الـ 30 دولار وصار الـ 300 دولار حلماً مستحيل المنال في خضم حربٍ علّمتنا ألا نرفع سقف توقعاتنا بأي حكومة.. علمتنا أن أشقى المخلوقات إنسانٌ بذاكرةٍ قوية .
سابقاً كنا نقف طويلاً في طابور الفرن وعزاؤنا الوحيد هو حصولنا على كامل حاجتنا من الخبز, أما اليوم لم تعد المشكلة في مدة الوقوف وإنما في كمية الخبز التي لم تعد تكفي نصف أفراد الأسرة في وقت أصبح الرغيف المُخدّر الوحيد لبطون معظم السوريين وسط تبريرات حكومية لا تغير من خيبة الأمل شيئاً ووووو ...
ومع ذلك, و بالرغم من أن لرياح اليأس قوة لا يمكن وصفها , إلا أن العقول القوية دائمة الأمل ولديها دائماً ما يبعث على الأمل .. عقولٌ ترى أنه من واجب الحكومات تعليم "البخلاء" كيف يكون الكرم بقوة القانون إذا لم يصدر عن يقظة الضمائر .. عقول تؤمن أن كل طفل جديد يولد دليل أن الله لم ييأس بعد من إمكانية تخلصنا من حماقاتنا .
يقول واسيني الأعرج .. الشقاء ليس مهنتي لكني عندما أكتب عليّ أن أشعر بعمق الخسارة وقسوتها , فيما يعتبر محمد الماغوط أن الموت ليس الخسارة الكبرى , وإنما الخسارة الكبرى ما يموت فينا ونحن أحياء.