2022 Feb 18

لماذا يهرب الناس إلى النكتة لنقد المسؤولين والتعبير عن أوضاع البلد ؟ ..

الساعة 25: نضال فضة

يقول ابن خلدون في مقدمته "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أطبق عليهم، وهم قوم بهم غفلة ومهانة، كمن يساق إلى الموت وهو مخمور".

هو حال شارعٍ دخل مرحلة اليأس المبكر , ويخشى أن لا يبق له أي أمل في هذه البلد إلا أمل عرفه .. شارع امتلأ فمه بكلمات يخاف إطلاقها مثلما يخاف ابتلاعها فلجأ إلى الدعابة و النكات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت استطلاعاً للرأي حول قرار ما ومؤشراً حقيقياً لصعود أو هبوط شعبية مسؤول ما .. أصبحت بمثابة هتاف الصامتين المحبّين لبلدهم الذين يبحثون عن وسيلة –يعتبرونها- آمنة لتنفيث "طنجرة الضغط" التي تغلي بين الاكتاف بفعل ضغوطات القرارات المراهقة وحرارة السوق والفساد العميق ..

هذا الشارع الذي يعارض الفوضى ويرفض أن يكون أداةً بيد أعداء البلد استعان بالنكات التي تؤكد رُقيّه وحيويته وإصراره على تجاوز ما يعانيه .. نكاتٌ لم تعد من أجل الضحك والمسامرة والترفيه وإنما وسيلةً للنقد النظيف وسلاح المهمومين الذين لم تعد المفكرات اليومية وشبكات التواصل الاجتماعية و وسائل النقل العامة وأماكن العمل قادرة على استقبال كلماتهم الصادقة والمباشرة بأمان ..

هذه النكات سواء تناقلها الناس همساً أو قيلت علانية , سواء كانت "قاسية" أو "طرية ", هي ليست عدوانية وخاصة بعدما أصبحت سفيرة الشارع للتعبير عن معاناته بمختلف الأشكال والمجالات , عن الأفكار والمواقف الممنوعة بحكم أمزجة البعض وليس الدستور .. هذه السفيرة بلا حصانة وغالباً تثير حفيظة وغضب بعض "المسؤولين " و"حراس القانون " الجاهزين للتحرك في أيةٍ لحظة بذرائع باتت أيضاً منبعاً للنكتة .. هذه السفيرة التي مهمتها الأولى إيصال رسالةٍ إلى من يهمهم الأمر قبل إضحاك الناس هي بالنسبة للكثير من الحكومات "العاقلة" وسيلة لقراءة المزاج العام وحرارة الشارع تمهيداً لابتكار الحلول وتصويب الأخطاء .

ولأن الحمقى هم من يعرفون كل شيء ولا يخافون من أي شيء نجد المسؤولين الحقيقيين يخشون النكات الناقدة التي يتم تأليفها عنهم , فهم يدركون تماماً أنها أكثر فاعلية من النقد المباشر وسريعة الاشتعال والانتقال وعمرها أطول وتذبح دون أن تجرح وقادرة على ملامسة مكامن الخلل بدقةٍ متناهية .. هذه النكات كما لاحظنا خلال سنوات الأزمة يزداد كمية السخرية فيها كلما ضاقت مساحة حرية التعبير لتصبح نوعاً ما قادرة وبشكل مؤقت على مقاومة الاكتئاب والقلق واحتواء الغضب .

البعض منذ ولادتهم يضحكون ويستمرون بالضحك طيلة حياتهم ولا يدرون لماذا , والبعض الآخر أيضاً خرجوا للوجود وهم يضحكون لكن يعلمون لماذا يعلمون أن حياتهم أصبحت نكتة مضحكة للغاية .. هؤلاء في وقت الضحك الحقيقي يجهشون بالبكاء وتتداعى حينها إلى ذاكرتهم الحية عشرات النكات وخاصة عندما يتلقون المواعظ من مسؤول فاشل فاسد على غرار قصة ابن المسؤول الذي اشترى العديد من المصانع والمزارع والسيارات الفارهة وهو لم يتجاوز بعد العشرون عاماً ولما سألوا والده عن أصل هذه الثروة أرجع السبب إلى أن ابنه حريصٌ ومدبّرٌ جيد وقد استطاع أن يوفّر ثمن ما اشتراه من مصروفه اليومي بل وللمزيد من الحماقة قام بنصح الشباب على الاقتداء بهذا الابن البار الذكي .. وهنا نعلم تماماً لماذا يعاقب الاذكياء الذين يرفضون العمل تحت إمرة الأغبياء .

بالمحصلة.. هناك الكثير من المسؤولين في العالم يبدؤون يومهم بالاطلاع على تقرير بخصوص النكت التي قيلت عنهم ويبحثون في الأسباب وكيفية التعامل معها بشكل إيجابي فهل هنا يحدث نفس الشيء .

بالمحصلة أكثر .. يُقال غن الشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت وثمة أشياء نقولها في قلوبنا حين تعجز ألسنتنا عن التعبير .