2022 Jul 01

مُحزن وصف أقدم عاصمة في التاريخ أنها أسوأ مدينة للمعيشة في العالم ..

سقطت بين الأرجل وفي حضنها طفلها ولولا صراخها لكانت هي والطفل تحت أقدام المتدافعين على باب باص النقل الداخلي وسط العاصمة دمشق ..

حينها أدرك الموجودون لماذا تصدرت أقدم مدينة وعاصمة في التاريخ قائمة أسوأ مدينة للمعيشة في العالم .. أدركوا لماذا من الضروري إعطاء "المسؤولين" فرصة أخرى حتى يتمكن باقي عامة الناس من تمزيق نعالهم مشياً على الأقدام من وإلى أماكن عملهم. سقطت وتداعى فوراً إلى ذهني ذلك التقرير حول المعيشة في مدن العالم خلال الفترة المنصرمة من هذا العام .. تقرير للأسف يُشير إلى أن دمشق التي كانت قبلة الفقراء والسياح وملهمة الشعراء والكتاب عبر التاريخ أصبحت غير صالحة للعيش البشري ..

وبالرغم من يقيني أن معظم الدراسات والتقارير الغربية حول بلدنا مسيُّسة ويتأرجح الشيطان بين سطورها , من يقيني أنهم حتى في التقارير والدراسات الصحيحة والمهنية لا يدّخرون جهداً لدس السم في العسل , غير أن أسماء المدن العالمية الأخرى التي كانت إلى جانب دمشق في مقدمة قائمة التقرير المذكور فضلاً عن الواقع الذي يدل على نفسه بنفسه هي بعض من علامات تؤكد وللأسف أننا "فزنا وبجدارة بمرتبة الأسوأ "..

مع عشقنا لعاصمتنا وامتعاضنا من أي وصف سلبي تجاهها غير أن التاريخ سيتوقف طويلاً عند جموع الناس وهي منذ سنوات مازالت بانتظار سرفيس أو باص أو حتى "حمار" .. جموع ترى أن الموت قد لا يكون بتوقف النبض , فالانتظار طويلاً في البرد وتحت أشعة الشمس الحارقة موت , واليأس من إمكانية خلق حلول موت .. جموع دفعتني للاكتفاء بقطاع المواصلات كأحد أسباب وجود دمشق في مقدمة تلك القائمة السوداء , هذا القطاع الذي يختصر مشهداً لم تكن تلك السيدة وطفلها سوى شاهد بسيط من بين ضحاياه , كما لا أعتقد أن الأمر يختلف كثيراً في باقي المحافظات وربما أسوأ..

منذ سنوات والناس يصرخون بضرورة حل مشكلتهم مع المواصلات, غير أن المسؤولين المعنيين وهم يستقلون سياراتهم الفارهة المفيّمة المكيفة لن يستطيعوا فهم حقيقة معاناة الناس على الطرقات وفي كافة الظروف .. لن يفهموا معنى أن تقف أم وطفلها وقتاً طويلاً تحت أشعة الشمس أو المطر بانتظار وسيلة تٌقلها من وإلى مكان عملها , معنى أن تسقط وطفلها وهي تخوض سباق التدافع للفوز بمقعد أو مكان في وسيلة للنقل العام .. معنى أن تدمع عيون عجوز لأنه لم يستطع الركض خلف الباص او السرفيس .. معنى أن يدفع الموظف الحكومي ربع راتبه أجور نقل .. معنى أن يكون لديك سيارة خاصة ولا تستطيع استخدامها بسبب تكاليفها غير المنطقية .. معنى أن يصبح التأمين على الانسان اختياري بينما على السيارة إجباري .

لاشك أن أوضاع بلدنا صعبة في ظل حصار لئيم غير مسبوق .. ولاشك أن المطالب بتقديم خدمات نقل مثالية حالياً هو ضرب من الجنون , لكن لاشك أيضاً أن الحلول للتخفيف من معاناة الناس موجودة وتحتاج فقط إلى تدبير جيد ونوايا حسنة .. ولاشك أن النجاح هو في حسن استخدام الوسائل للغايات . .

الموظف الحكومي يتساءل ,لماذا لا يتم وضع جميع وسائل النقل الحكومية بخدمة الموظفين الحكوميين أياً كانت الجهة التي ينتمون لها؟ , بمعنى ما المانع من أن يقوم باص تابع لوزارة الصناعة مثلاً بتخديم موظفين من وزارة التربية طالما هم على نفس خط عمله ولديه القدرة على ذلك؟ .. ما المانع من قيام باص لوزارة معينة بتخديم كافة المؤسسات التابعة لها ؟. وهناك من يقول لماذا عندما يكون هناك صعوبة في توفير الوقود لوسائل النقل العامة والخاصة لا يتم تخفيض عدد أيام دوام الموظفين الحكوميين وخاصة ممن يعملون في قطاعات إدارية فيتم تخفيف الضغط عن وسائل النقل المتوفرة؟.

البعض يقول إن عدد السرافيس على كافة الخطوط يكفي لتخديم جميع الناس لكن تهرب أكثر من 60 بالمئة منها من العمل وقيامهم ببيع مخصصاتهم من المحروقات هو سبب المشكلة في ظل صمت وتواطؤ من قبل بعض الجهات المعنية يزعم البعض أنه مسبقة الدفع . وهناك من يسأل لماذا لا تقوم الجهات المعنية بالاستثمار المباشر في قطاع رابح جداً بدلاً من تعهيد باصاتها لمستثمرين يضعون خطوط النقل والناس تحت رحمة مصالحهم . بل هناك من يعتقد ان المجتمع المدني يمكن أن يسهم في التخفيف من أزمة المواصلات من خلال قيام السيارات الخاصة بتقديم مساعدة للأشخاص الموجودين على الطرقات في اتجاه حركتها سواء داخل المدينة أو بين الريف والمدينة,

بمعنى في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد من الجيد أن يساعد المقتدر الآخرين ولو بتوصيلة عابرة .وووووو , وعوداً على بدء نسأل: هل "المسؤولين" عن العاصمة يأخذون بالاعتبار هكذا تقارير أو تصنيفات عالمية أم يعتبرونها كلام مغرضين؟ .. هل سيتم التحرر من عقدة تجديد الأرصفة وبدع التراخيص ومواقف السيارات والتفرغ جدياً لتقديم خدمات حقيقية للناس وتفعيل العمل الرقابي الجاد في كافة القطاعات كالأسواق والنقل والمحروقات والبناء والسكن والصحة والتعليم ووو؟. وبالرغم من كل ذلك ولأننا نحب دمشق سنبقى نردد كلمات .. لا ياسمين يعرّش إلا في دمشق .. لا رائحة حبات مطر ولا قصائد تٌتلى ولا شعر يٌكتب ولا موشحات تٌغنى ولا ليل يحن عليك إلا في دمشق .

الساعة 25: نضال فضة