ويلكم ماذا فعلتم بالبلد ؟!!
كان يمسك بيد طفله وهو يخترق السوق كالسكران , وكلما أشار الطفل إلى أكلة ما كان الأب يقول له "كع" يا بابا .. الشاورما "كع" , البروستد , الحلويات , الفطاير , الفواكة , العصائر , الألعاب وووو جميعها "كع " . لاشك أن قلب ذلك الأب كان حينها ينفطر ألماً , و ربما كان "يحتقر" نفسه لأنه يكذب على طفل , بل ربما اعتبر نفسه غير أهل للأبوة والمسؤولية .. لكن الأكيد أنه كان يحتقر ظروفنا الحالية ومسببيها.
لا يا سيدي الطفل .. تلك الأكلات والألعاب ليست "كع" ..هي حسب ما أذكر أشياء لذيذة وجميلة جداً لكن والدك لاحول له ولا قوة .. وإن كنت تريد الحقيقة والصدق فنحن وجميع من أوصل البلد إلى هذه الحالة "كع" . الويل من الله لمن أجبر الآباء على الكذب على أطفالهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم .. لمن أجبر أطفال بلد غني بموارد الطاقة والغذاء أن يقتلهم البرد والجوع والظلام .
ويلكم ماذا فعلتم حتى أجبرتم بلد مليء بالنعاج والأبقار والتيوس على استيراد الأبقار وبودرة الحليب ومختلف أنواع الجبن .. حتى أجبرتم مزارع في بلد غني بالفوسفات على الزراعة بدون أسمدة .. حتى أجبرتم بلد زراعي على استيراد حتى القمح والعدس والحمص والزيت والبطاطا ووو .. حتى أجبرتم بلد مليء بالدجاج والديوك والقروش على استيراد اللحوم .
ماذا فعلتم حتى أجبرتم الأدمغة على الرحيل .. حتى صارت العقول تحت إمرة الطبول .. حتى صار الكثير من اللصوص والسفلة واجهات اجتماعية واقتصادية .. حتى يضطر العاقل لأن يثبت نفسه أمام الحمقى .. حتى أصبحت أمهات الكتب مجرد أيقونات يتباهى بها البلهاء في مكاتبهم .. حتى أصبحت حياتنا شعلة إما أن نحترق بنارها أو نطفئها ونعيش في الظلام .
سيدي الطفل من لم يعان الجوع ليس له الحق في إطلاق الأحكام .. سيدي إذا مات أحد أقرانك من شدة الجوع والبرد فهذا بسبب أن طفلاً آخر مات من شدة الحر والشبع .. سيدي الطفل في هذه البلاد التحمل هو أول شيء يجب أن تتعلمه وهو أكثر شيء ستحتاج لمعرفته.. سيدي الطفل في هذه البلاد عليك ألا تكون طفلاً .
الساعة 25: نضال فضة