فادي قطيش... تلعثمَ بالنُّطقِ فتحدَّثت لوحاتُه
السويداء25- ريمه عماد:
"نقصُ الأكسجةِ الدِّماغيّةِ الذي منعَ فادي من النّطقِ والمَشي، لم يَزِدْ خيالَهُ إلا خُصوبةً واخضراراً"..
الفنان فادي قطيش ذو الـ42عاماً، يعيشُ في السُّويداءِ مع عائلته التي يرى فيها اليدَ الأولى التي أخذت بيدِهِ وأزالت أمامَهُ كلَّ المعوقات، فلم يشعرْ إطلاقاً بصعوباتِ عَجزِهِ في المراحلِ اللاحقة، بل تعاملَ معها بشكلٍ طبيعي، لاسيَّما بعد أن اكتشفَ والديه مَوهِبتَه في الرَّسمِ، وعَمِلا جاهِدَين على تنميةِ هذه الموهبةِ ورعايتها.
يقولُ فادي:"عندما أرسمُ أُحبُّ أنْ تكونَ عائلتي قريبةً مني .. أستمتعُ بأصواتِهم التي تزيدني طاقةً وقوة، وتمنحُني الشُّعورَ بالاطمئنانِ والسَّلامِ"..
ويُعَبِّرُ بصراحةٍ لا تخلو من الألمِ عن تفضيلِهِ البقاءَ وحيداً بعيداً عن العلاقاتِ الاجتماعيّة، ذلك أنّهُ يَلمِسُ عدمَ تَفَهُّمِ الكثيرين لوضعِهِ الصّحي، ويشعرُ بالإهانةِ كلَّما مَرَّ وسط التَّجمعاتِ ورأى الأنظارَ تتركزُ عليه، والبعضُ يحاولُ تقليدَهُ في مِشيتِه ونُطقه، كما يرى في تَقَلُّبِ النَّاسِ وتَغَيُّرِ مواقِفِهم تجاهَهُ ما يُشعِرُهُ بالضّيقِ والتّعبِ الرُّوحيّ.
يقول: "أُفَضِّلُ البقاءَ وحيداً .. لديَّ بعضُ الأصدقاءِ والطلابِ الذين أُدَرِّبُهم على الرَّسمِ، وألمِسُ مَحبَّتَهم الصّادقة، ولديَّ لوحاتيَ التي لا تَمَلُّ صُحْبتي؛ ارتبط بها ارتباطاً روحيّاً وأرفضُ المُتاجرةَ بها مهما كانَ الثَّمن".
يلمِسُ النَّاظِرُ إلى لوحاتِ فادي نُضْجَ تجرِبَتِهِ الفنيّةِ، وخُلاصةَ معركتِهِ القاسيةِ مع الحياة، ابتداءً من رسمِ الوجوهِ والمناظرِ الطبيعيّةِ في الطفولة، إلى المُشاركةِ في التظاهراتِ الفنيَّةِ الشّبابيَّةِ العامّة، وانتهاءً بالمعارضِ المحليَّةِ.. ويدركُ أنَّ القواسمَ الثَّلاثَ المُشترَكةَ لهذه المراحلِ هي؛ قدرةُ فادي على إيصالِ أفكارِهِ وآرائِهِ وموهبَتِهِ إلى الآخرينَ بلغةٍ بَصريَّةٍ فصيحة، وإجماعُ أصحابِ الخبرةِ على أنَّه أصدقُ مَنْ تَحَدَّثَ بالرِّيشةِ والألوانِ، إضافةً لكونِهِ أوَّلَّ فنانٍ تشكيليّ يُعاني من إصابةٍ في الدِّماغ، ويحجِزُ بخصوبةِ أفكارِهِ وتَنَوُّعِ وسائِلِه التَّعبيريَّةِ مكاناً له ضِمنَ نشاطاتِ الحركةِ التَّشكيليّة.
شاركَ فادي بمعارضَ لجمعيّةِ المعوقين في مهرجانِ المحبّة، كما شاركَ بمعارضَ جماعيّةٍ في المحافظات، وكانَ أوَّلُ مَعرِضٍ فرديّ له في السُّويداء عام2002، وفي دمشق عام 2003 في المركزِ الثّقافيّ الإسباني، والذي خطا من خلالِهِ خُطوةً بعيدةً في مجالِ الفنِّ التّشكيلي، حيثُ لفتَ أنظارَ التّشكيليينَ إليه، وحصلَ في نهايتِهِ على شهادةِ تقدير من نقابةِ الفنونِ الجميلة.
يحلمُ فادي أنْ يُسافرَ ويَعرِضَ لوحاتِهِ في الخارجِ عَلَّ أسلوبَهُ التَّعبيريَّ ينالُ تقييماً مُختلفاً، فبرأيه أنَّ النُّقادَ الغربيين سوفَ يقرأون الخطابةَ البليغةَ التي يستخدمُها في لوحاته، وسوفَ يُقيِّمونَها بِلُغتها البصريّةِ ناظرين إلى بُعْدَيها الإنسانيّ والتَّعبيريّ معاً، بغضِّ النَّظرِ عن الدِّراسةِ الأكاديميَّةِ التي لم يستطعْ إكمالَها بسببِ وضعِهِ الصّحي، لكنَّه رُغْمَ ذلك ينافسُ الكثيرَ من الأكاديميين بخبرتِهِ الواسعة، وإحساسِهِ بالفنّ، وإيمانِهِ بأنَّهُ قادرٌ على إنتاجِ لوحةٍ مُتكاملةٍ مُتميّزة.
يبقى فادي واحداً ممن اصطفاهم الله ليضع فيه مَلكة التعبير بفنه التشكيلي، ويبقى الفنُّ الصُّورةَ الصَّامتةَ التي تُعبّر عن المجتمع وتجسِّد هويته وتاريخَه الثقافي نظراً لما تحمله من معانٍ ودلالاتٍ قد تكونُ أبلغَ من أيّ كلام..
هذا هو ابن البلد فادي قطيش ....